والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر (١) ولا يعذب أمة ونبيها معها، حكاه (٢) الثعلبي، وفيه بُعْد (٣).
{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} وقد خرج محمد -صلى الله عليه وسلم- من بين أظهرهم.
وقيل: مالهم أن لا يعذبهم الله في الآخرة.
وقيل: يوم بدر.
ويحتمل: وما لهم أن لا يعذبهم الله وقد استحقوه، ولولا كونك وكون من يستغفر فيهم لعجل لهم (٤) العذاب.
والعذاب: تجديد الآلام حالاً بعد حال، وأصله الاستمرار.
{وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يمنعون المسلمين عنه.
{وَمَا كَانُوا} يعني المشركين.
{أَوْلِيَاءَهُ} أولياء المسجد , وقيل: أولياء الله.
{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤)} أن ولايته للمتقين.
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} في سبب النزول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانوا يطوفون بالبيت فيصفقون، ووصف الصَّفْقَ بيده، ويَصْفِرون، ووصف صفيرهم، ويضعون خدودهم بالأرض، فنزلت (٥).
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ} أي: الذي يسمونه صلاة {إِلَّا مُكَاءً} وهو تصويت يشبه صوت المُكَّاء، وهو طائر معروف، يقول: مَكَا يَمْكُو، قال (٦):
تَمْكُو فَريصتُه كشِدْقِ الأَعْلمِ
وقيل: هوأن يجعل بعض أصابع اليمين وبعض أصابع الشمال في الفم ثم يَصْفِرُ فيه.
وقيل: المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، وهو ضرب إحدى اليدين على الأخرى، واشتقاقه من الصَّدَى، وهو أن تسمع مثل صياحك في أماكن تمنع الصوت من النفوذ , وكانوا يعارضون به القرآن، يقويه قول سعيد بن جبير في التصدية: إنها صلاتهم عند المسجد الحرام (٧).
وقيل: مكاهم: أذانهم، وتصديتهم: إقامتهم، حكاه الثعلبي (٨).
الحسن: إذا أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة خلطوا عليه وأروا أنهم يصلون لله عبادة (٩).
ابن بحر: أي أن صلاتهم ودعاءهم (١٠) غير رادين عليهم ثواباً إلا كما يجيب الصدى الصائح (١١).
(١) سقطت كلمة (نستغفر) من (أ).
(٢) في (أ): (حكاها).
(٣) انظر: «الكشف والبيان» ٤/ ٣٥٢.
(٤) في (ب): (لعجل فيهم العذاب).
(٥) أخرجه الطبري ١١/ ١٦٣ وابن أبي حاتم ٥/ ١٦٩٥ (٩٠٤٠) و ٥/ ١٦٩٦ (٩٠٤٥)، والواحدي في «أسباب النزول» (ص ٣٩٨).
(٦) القائل هو عنترة، وصدر البيت: وحَليلِ غانيةٍ تركتُ مُجدَّلاً.
والبيت ورد عند الطبري ١١/ ١٦١ والقرطبي ٧/ ٤٠٠، وهو في ديوان عنترة من معلقته المشهورة (ص ١٩٠).
انظر: «الشواهد الشعرية في تفسير القرطبي» ١/ ٢٤٧.
(٧) المشهور في التفاسير التي رجعت لها أن قول سعيد: التصدية: صدهم عن البيت الحرام.
انظر: الطبري ١١/ ١٦٤ و «الدر المنثور» ٧/ ١١٥.
(٨) انظر: «الكشف والبيان» للثعلبي ٤/ ٣٥٤.
(٩) وجدته عن مجاهد عند الثعلبي ٤/ ٣٥٣.
(١٠) هكذا في (ب)، وهو كذلك في «البحر المحيط» لأبي حيان، وفي (أ): (أي صلوته ودعاءهم وصلوتهم).
(١١) نقله الماوردي في «النكت والعيون» ٢/ ٣١٥ وأبو حيان في «البحر المحيط» ٤/ ٤٨٦.