الكِنَاسُ (١) , وقيل: الوليجة: المدخل يدخل فيه على سبيل الاستسرار، شبه به النفاق, وقيل: خيانة, وقيل: خديعة, وقيل: خليطاً ووداً، والوجه ما سبق.
{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦)} من خير وشر فيجازيكم عليه.
{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} في سبب النزول أنه لما أُسِرَ العباس يوم بدر عَيَّرَهُ المسلمون بكفره بالله وقطيعة الرحم وأغلظ له علي رضي الله عنه القول، فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا، فقال له علي رضي الله عنه: ألكم محاسن؟ فقال: نعم، إنا لنعمر المسجد الحرام ونَحْجُبُ الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني فأنزل الله رداً على العباس {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} (٢).
أي: لا يحق ولا يليق بهم عمارة المسجد الحرام (٣)، أي: دخوله والقعود فيه، وقيل: عمارة المسجد: رفع بنائه وإصلاح ما استرم منه, وقيل: عمارته: التعبد فيه والصلاة والطواف لا ترميمه وتجصيصه.
{شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} هو شركهم بالله، حيث قالوا في الطواف: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك.
وقيل: هو إذا سئلوا عن دينهم قالوا: نعبد اللات والعزى, وقيل: إذا كذبوا محمداً -صلى الله عليه وسلم- فقد شهدوا على أنفسهم بالكفر, وقيل: الشهادة: البيان.
{أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي: بطل ثوابها، مشتق من: حَبِطَ بطنُ الشَّاةِ، وقد سبق.
{وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧)} دائمون.
{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} أي: بالبعث والنشور.
{وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ} أي: في أبواب الدين {إِلَّا اللَّهَ}.
أي: يجوز لهم ويليق بهم عمارتها، وجَمَعَ لأن سائر المساجد في هذا كالمسجد الحرام.
{فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)} المتمسكين بطاعة الله، وعسى من الله واجب. وقيل: عسى راجع إلى المؤمنين، أي: هم بهذا العمل على رجاء الجنة.
(١) جاء في «لسان العرب» (ولج): (التَّوْلَجُ: كِنَاسُ الظَّبي أو الوحش الذي يَلِجُ فيه).
(٢) ذكره الثعلبي في «الكشف والبيان» ١/ ٧٥ (رسالة جامعية) والواحدي في «أسباب النزول» (ص ٤٠٧) بدون إسناد.
(٣) الكرماني يفسر على قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب (مسجد الله) بغير ألف، على واحد، وقرأ باقي العشرة (مساجد الله) على الجمع.
انظر: «المبسوط» لابن مهران (ص ١٩٣).