{لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} للمفسرين فيهما ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الفقير هو الذي له أدنى شيء، واستدل صاحب هذا القول بقول الشاعر (١):
أما الفقيرُ الذي كانت حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ العيالِ فلم يُتْرَك لَهُ سَبَدُ
واشتقاقه من الفَقَارِ، تقول: فَقَرته: إذا أصبتَ فَقَاره، وهو أصل الظهر، كما تقول: رَأَسته وَرَجَلته، أي: ضربت رأسه ورجله (٢)، فكأنه كسر ظهره، وأن المسكين: هو الذي لا شيء له، وانضم إلى فقره ذله وعدم هداية إلى وجه المعاش، واستدل (٣) بقوله {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦)} البلد: ١٦، أي: لصق بالتراب من فقره وليس بينه وبين التراب حائل.
والثاني: أن المسكين من له أدني شيء وهو أحسن حالاً من الفقير، واستدل صاحب هذا القول بقوله تعالى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} الكهف: ٧٩، وأن الفقير: هو الذي لا شيء له، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من الفقر (٤) ويسأل المسكنة فيقول: (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) (٥).
واشتقاقها من السكون، قال: وسمي مسكينا لأنه لا يتحرك إلى ما يتحرك إليه الغني, وقيل: لأنه أسكنه الفقر، وأجابوا عن البيت بأنه سماه فقيرا بعد سلب الحلوبة بقوله: فلم يُتْرَك لَهُ سَبَدْ, وأجاب صاحب القول الأول عن الاستدلال بقوله: {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} الكهف: ٧٩ بأنهم كانوا أُجَرَاء, وقيل فيه غير هذا ويأتي في موضعه.
والثالث: أنهما اسمان مترادفان لقوم واحد، فكل فقير مسكين وكل مسكين فقير، والله سبحانه سماهم باسمين ليكون لهم سهمان من الصدقة نظراً لهم ورحمة عليهم.
وقيل: الفقراء: أهل الحاجة من المهاجرين، والمساكين: من غير المهاجرين.
(١) هو الراعي النميري يمدح عبدالملك بن مروان ويشكو إليه سُعاتَهُ.
انظر: «لسان العرب» (فقر).
(٢) في (أ): (وجلده) ثم تم تصويبها في هامش النسخة.
(٣) سقط حرف الواو من نسخة (أ).
(٤) أخرج أبو داود (١٥٤٤) من حديث أبي هريرة عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر)، وصححه الشيخ الألباني.
(٥) أخرجه الترمذي (٢٣٥٢) وابن ماجه (٤١٢٦)، وحكم عليه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» رقم (٨٦١) بأنه حديث حسن.