وقيل: هم تسعةٌ وثلاثون رجلًا مِن بقايا قوم عيسى؛ آمنوا بمحمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- قول عيسى، وثبتوا عليه حتَّى خرج النبيُّ عليه الصَّلاة والسلام، قال اللَّه عزَّ وعلا: {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} القصص: ٥٣ الآية.
وقوله تعالى: {آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} أي: التوراةَ، وإنَّما خصَّهم (١) بذكرِ الإيتاء؛ لأنَّهم هم الذين عملوا به، فكأنَّهم خُصُّوا (٢) به.
وقوله: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} قال مجاهدٌ: أي: يتَّبعونه حقَّ اتِّباعه، قال اللَّه تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} الشمس: ٢ أي: تبعها (٣)، واتِّباعُه حقَّ اتِّباعه: هو العملُ بمحكمِه والإيمان بمتشابهه.
وقال ابن عبَّاسٍ وابنُ مسعود رضي اللَّه عنهم: هو أنْ يُحِلَّ حلالَهُ، ويُحرِّمَ حرامَهُ، ويَعملَ بأوامرِه، ويَنتهي بنواهيه (٤).
وقيل: معناه: يقرؤونه حقَّ قراءتِه، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} المائدة: ٢٧؛ أي: واقرأ (٥)، وقراءتُه حقَّ قراءته: التدبُّرُ، والتفكُّر، والتَّرتيلُ، وتركُ التَّحريفِ والتَّبديل.
وقيل: أي: يصفونه حقَّ صفتِه؛ أي: يقولون: هو كلامُ اللَّه عزَّ وعلا، غير مخلوقٍ، ولا محدثٍ، ولا حادثٍ، ويصدِّقون بما فيه مِن نعت محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسَّلام.
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} هذا خبرٌ آخَرُ للمبتدأ، فإنَّ قوله تعالى:
(١) بعدها في (ف): "أي".
(٢) في (ف): "فخصوا" بدل: "فكأنَّهم خُضُوا".
(٣) أخرجه الطبري (٢/ ٤٩٠).
(٤) أخرج قوليهما الطبري في "تفسيره" (٢/ ٤٨٨، ٤٨٩).
(٥) قوله: "أي واقرأ" من (ف).