وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: دلَّ سؤالُ التَّوبةِ أنَّ الأنبياء قد يكون منهم الزَّلَّاتُ والعَثَراتُ على غير قصدٍ منهم.
ثمَّ فيه الدَّليلُ على أنَّ العبد يُسأَل عن زلَّةٍ لم يتعمَّدها؛ لأنَّهم سَألوا التَّوبةَ مُجمَلًا، ولو كان سبقَ منهم شيءٌ عَلِموا (١) به وعرفوه؛ لذكرُوه، فدلَّ سؤالُهم التَّوبةَ مجملًا على أنَّ العبدَ مسؤولٌ عن زَلَّاتٍ لم يَتعمَّدها (٢).
وقوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} قال الإمامُ أبو منصورٍ رحمه اللَّه: يحتمل قوله: {مِنْهُمْ} وجوهًا ثلاثة:
يَحتملُ الانصرافَ إلى الأمَّة المسلمةِ، فقد ذُكِرت قبلَه؛ لأنَّه أخبر أنَّ عهدَه لا يَنالُ الظالمَ، فلم ينصرفْ إلى قوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا}.
ويَحتملُ {رَسُولًا مِنْهُمْ}؛ أي: مِن جنسِهم مِنَ البشر؛ لأنَّه أقربُ إلى المعرفة والصِّدقِ ممَّن كان مِن غير جنسهم؛ كقوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا} الأنعام: ٩.
ويَحتملُ {رَسُولًا مِنْهُمْ}: مِن قومِهم، مِن جنسهم وبلسانهم، لا مِن غيرهم، ولا بغير لسانهم (٣).
سأل ربَّه لأهلِ مكَّة ما يتمُّ به مرافق الدِّين والدُّنيا فيها، وهي الثَّمراتُ، والأمن، ومبيِّنُ الدِّين والشرائع (٤).
(١) في (ف): "عملوا".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (١/ ٥٧١).
(٣) انظر: المصدر السابق.
(٤) لفظ: "والشرائع" من (أ).