ووجه اتصال هذه الآية بالأولى أنَّهم كانوا مسلمين، وقال في هذه: إنَّهم قد مضوا، ولو كانوا مخطئين للحقِّ، دائنين بدينكم، لم ينفعكم؛ لأنَّهم يُجازَون بأعمالهم، وأنتم تُجازَون بأعمالِكم، فاتَّبعوا الحقَّ أنتم، وصدِّقوا محمدًا؛ فإنَّه يَدعو إلى الحقِّ، واتركوا تقليدَ المبطِلين.
ومعنى آخر: أنَّهم مضوا على دينِهم الذي شَرَعهُ اللَّهُ لهم، والآن عليكم اتِّباعُ الدِّين الذي شرعَهُ اللَّهُ، والدِّينُ للَّه يَشرعُ منه ما يشاءُ، ويَنقلُ عمَّا يشاءُ إلى ما يشاء.
* * *
(١٣٥) - {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وقوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} أي: قالت اليهود للمسلمين: تَهوَّدوا تُصِيبوا الهدى، وقالت النَّصارى للمسلمين: تَنصَّروا تُصِيبوا الهدى، ولم يُرِد اجتماعَ الفريقين على دعواهم (١) جميعًا إلى الملَّتين جميعًا، وقد ذكرنا وجهَ ذلك في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} البقرة: ١١١.
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: إنَّ عبدَ اللَّه بنَ صُوريا الأعورَ -لعنهُ اللَّه- قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما الهُدى إلَّا ما نحن عليه، فاتَّبِعْنَا يا محمَّدُ تَهتدِ، وقالت النَّصارى مثلَ ذلك؛ فنزلت الآيةُ (٢).
وقال ابن عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما أيضًا: إنَّ يهود أهلِ المدينة؛ كعبَ بن الأشرف
(١) في (أ): "دعوتهم".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٥٨٩)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ٢٤١) (١٢٩٠).