وقوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} أي: لكم، كما في قوله: {عَلَى النَّاسِ}، ومعناه: مُزكِّيًا مُعدِّلًا.
وقال القفَّال: للمفسِّرين فيها ثلاثةُ أقوال:
أحدها: أنَّها تكونُ منهم على قوم نوحٍ خاصَّة.
والثاني: أنَّها تكونُ على كفَّارِ أمَّة هذه الدَّعوة، وهي (١) دعوةُ نبيِّنا محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
والثالث: أنها تكونُ منهم على جميعِ الأمم.
وقيل: معناهُ: ليَشهدَ كلُّ فريقٍ منكم على مَن يَحدُثُ في عصرِهم ومَن بعدَهم بالشَّرائعِ التي تَلزمُهم، ويكونَ الرسولُ شهيدًا عليكم؛ أي: مبلِّغًا إليكم، شاهدًا عليكم عن اللَّه تعالى بما يؤدِّيه إليكم مِن شرائعِ دينِه، وتكونوا أنتم شهداءَ على النَّاس للَّه والرسول بما (٢) أدَّاه الرسولُ إليكم عنه.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: جعل هذه الأمَّة عدولًا، والعدلُ: هو المستحِقُّ للشَّهادة وقبولها، ففيه الدِّلالةُ على جعل الإجماع حجَّةً، فإذا اجتمعوا على شيءٍ وشهدوا به، لزمَ قَبولُه بما شهدوا به، والشَّهادةُ فيه أَنَّه من عند اللَّه وقعَ لهم ذلك (٣).
وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا}؛ أي: بيت المقدس، وهاهنا
= ابن المبارك في "الزهد" (١٥٩٨)، ومن طريقه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٦٣٥ - ٦٣٦) من حديث حبَّان بن أبي جَبَلة، وهو مرسل، وفي إسناده رشدين بن سعد، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وهما ضعيفان.
(١) في (ر) و (ف): "وهذه".
(٢) في (ف): "فيما".
(٣) انظر "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (١/ ٥٨٤ - ٥٨٥).