وقال ابنُ مسعودٍ رضي اللَّه عنه: إذا تلاعنَ اثنان رجعَ اللَّعنُ على المستحِقِّ منهما، فإن لم يَستحِقَّه أحدُهما، رجعَ اللَّعنُ (١) على اليهودِ الذين كَتموا ما أنزلَ اللَّهُ (٢).
واللعنُ مِن اللَّه: الطَّردُ والإبعادُ عن الرَّحمة على الإطلاق في حقِّ الكفَّار، وعن الرَّحمة والكرامةِ والمنزلةِ التي يستحقُّها المطيعُ، إذا كان في حقِّ العُصاة.
{وَالْهُدَى} البيِّناتُ التي من تمسك بها اهتدى.
وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ} الهاءُ ترجعُ إلى قوله: {مَا أَنْزَلْنَا}، ويجوزُ أنْ ترجعَ إلى قوله: {وَالْهُدَى}، وإنَّما أعاد قولَه: {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ} مع قوله: {أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}؛ لأنَّ الأول بيِّنات منزلة على الرَّسول، والثَّاني بيانُ أنَّه بيَّن ذلك لهم.
وقال قائلون (٣): الآيةُ نزلت في كلِّ مَن كان عنده علمٌ فكتمَه، وهو مرويٌّ عن عثمانَ وابن عمرَ وأبي هريرة رضي اللَّه عنهم:
قال عثمان حين توضَّأ بمشهَدٍ مِن النَّاس: لأحدِّثنكَم حديثًا، ولولا آيةٌ في كتاب اللَّه ما (٤) حدَّثتُكم، وذكرَ هذه الآية، وقال (٥): سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن توضَّأ فأحسنَ الوضوء، ثمَّ صلَّى صلاةً، غُفِرَ له ما بينها وبين الصَّلاة الأخرى" (٦).
(١) لفظ: "اللعن" من (أ).
(٢) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (٥١٩٢) من طريق محمد بن مروان السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن مسعود رضي اللَّه، وإسناده تالف.
(٣) في (ر) و (ف): "القائلون".
(٤) "ما" سقط من (ف).
(٥) في (أ): "ثم قال".
(٦) رواه البخاري (١٦٠)، ومسلم (٢٢٧): (٦)، وبين الآية المقصودة في كلام سيدنا عثمان رضي اللَّه عنه عروةُ أحد رواته.