وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} كلمة "لعلَّ" كلمةُ ترجٍّ؛ أي: أرجو به أنْ يَصيروا متَّقِين بالشُّروع في الصَّوم، وفيه تجويعُ النَّفسِ عن الطَّعامِ والشَّراب، وفيه كسرُ الشَّهوات، فتَنالوا به درجاتِ المتَّقين، وتَستحقُّوا به ثَنائي الذي أثنيتُ به عليهِم، وجَعلتُ هذا الكتابَ هدًى لهم، فقلتُ في أوَّلِ هذه السُّورة: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} الآية: ٢.
* * *
(١٨٤) - {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
وقولُه تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} نصبُه لوجوهٍ:
أحدُها: كُتب عليكم الصيام أيَّامًا، على الظَّرف.
والثاني: كما كُتِبَ على الذين من قبلِكم أيَّامًا، على الظَّرف أيضًا.
والثالث: لعلَّكم تتَّقون أيَّامًا، على الظَّرف أيضًا.
وقوله: {مَعْدُودَاتٍ} نصب؛ لأنَّه نعتٌ للأيَّام، وكُسِرَ لأنَّه تاءٌ غيرُ أصليَّةٍ، وهذا للجمع، بخلاف قوله: {أَيَّامًا مَعْدُودَةً} البقرة: ٨٠، ووصفها بالمعدودات للتَّقليل، وهو للتَّسهيل.
وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ أي (١): فرضُ الصَّومِ في هذه الأيَّامِ إنَّما يَلزمُ الأصحَّاءَ المقيمين؛ فأمَّا المريضُ والمسافرُ، فلهما تأخيرُ الصَّوم عن هذه الأيَّام إلى أيَّام أُخَر، ثمَّ فيه مضمَرٌ، وتقديره: فأفطرَ، فعليه صومُ عدَّةٍ من أيَّامٍ أُخَر.
(١) "أي" زيادة من (أ).