فكان رفعُه بالألف، ونصبُه وخفضُه بالياء- لأن منعَ الإعراب كان لإلحاقه بالحروف، ولا تثنيةَ للحروف فلم تُلحق بها، بل تحقَّق فيه معنى الاسمِ فأُعرب لذلك.
- ومن ذلك: قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} آل عمران: ١٣ قال: قُرئ فيه بالرَّفع على الاستئناف، وبالنصب على المدح، وهذا شاذٌّ، وبالخفض على البَدَل، وهو قراءة الزهريِّ، وهو كما قال كُثَيِّر به:
وكنتُ كذي رِجلَيْن رِجْلٌ صحيحةٌ... ورجلٌ رَمَى فيها الزمانُ فَشُلَّتِ
يُنشَد بالرَّفع والجرِّ معًا.
ولو قلتَ: مررتُ بثلاثةٍ: صريعٌ وجريحٌ، واقتصرتَ عليهما، لم يجزْ بالجرِّ؛ لأنَّك لم تَستوفِ العددَ، ويَجوز بالرَّفع، وتقديره: منهم صريعٌ، ومنهم جريحٌ، وإذا قلتَ: مررتُ بثلاثةٍ؛ صريع وجريح وسليم، جاز فيه الرَّفع والجرُّ، فإنْ زدتَ فيه: اقتَتَلوا، جاز فيه الرَّفعُ والجرُّ والنصبُ.
فانظر إلى هذا التفصيل والتمثيل الذي لا تجده عند غيره.
- وفي قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} النساء: ٣ قال: منصوباتٌ بالترجمة عن {مَا}، ولا تنوينَ فيهنَّ لأنَّها غيرُ منصرفة، فإنَّها معدولةٌ عن اثنين وثلاثٍ وأربعٍ، ومعناه: اثنين اثنين وثلاثًا ثلاثًا وأربعًا أربعًا، ومع العدل فيها معنًى آخرُ، وهو وهمُ الألف والَّلام؛ لأنَّها كالمعارف، ولهذا لا إضافة فيها، فامتنَع صرفُها لذلك.
- وفي قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الأنفال: ٥٣ قال: حُذف النون من (يكن) تخفيفًا لكثرة الاستعمال؛ لأن (كان) و (يكون) أمَّ الأفعال؛ لأن (ضرَب) في معنى: كان ضرَب، و (يضرب) في