في ظهور بيوتِهم، فدخلوا منها، أو من قبل السَّطح، وقالوا: لا ندخلُ بيوتًا (١) مِن الباب حتَّى ندخلَ بيتَ اللَّه تعالى، وكان منهم من لا يَستظِلُّ بسقفٍ بعدَ إحرامهِ، ولا يَدخلُ بيتًا، لا من بابه ولا من خلفِه، ولكن يَصعدُ السَّطحَ فيأمرُ بحاجتِه مِن السَّطح، وهذه أشياءُ وَضعوها مِن عند أنفسِهم مِن غيرِ شرعٍ، فعرَّفَهمُ اللَّهُ تعالى أنَّ هذا التَّشديدَ ليس ببِرٍّ ولا قُربةٍ (٢).
وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} أي: البرَّ برُّ مَن اتَّقى، وهذا الإضمارُ كما مرَّ في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} البقرة: ١٧٧.
والتَّقوى: هو (٣) الائتمارُ بأمرِه، والانتهاءُ بنهيه.
وقوله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} ولو قال: فأتوا البيوت من أبوابها، استقام (٤)، وكان الفاء للتعقيب، ووجهُ الواو أنَّه أضمرَ: فاتركوا ذلك، {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}.
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ أي: لا تتكلَّفوا (٥) ذلك، تُظهِرونَ التَّقوى مِن أنفُسِكم، واتقوا اللَّه بالقلوبِ؛ لتكونوا أبرارًا مفلحين.
وللآية تأويلٌ آخر قالَهُ الحسن، قال: كان أهلُ الجاهليَّة مَن همَّ بِسفَرٍ أو أمرٍ
(١) في (ر): "بيوتنا".
(٢) كذا نسب المصنف هذا الصنيع إلى الحمس، والذي في المصادر أن الحمس كانوا لا يفعلون ذلك بل هو صنيع غيرهم. انظر "تفسير مقاتل" (١/ ١٦٧)، و"تفسير الطبري" (٣/ ٢٨٤ - ٢٨٨)، و"أسباب النزول" للواحدي (ص: ٤٩).
(٣) في (أ): "هي".
(٤) في (ر) و (ف): "استفهام"، وهو تحريف.
(٥) بعدها في (أ): "لي".