وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ولمَّا كان يتوهَّمُ منهم البدايةَ بالقتال بعد هذا العام، وإن امتَنعوا في هذا العام؛ قال: فمَن بدأكُم به في الحَرَم أو الشَّهرِ الحرام، فافعلوا به كذلك. وسُمِّيَ جزاءُ الاعتداءِ اعتداءً لما ذكرنا.
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ}؛ أي: ائتمِروا بأوامره (١) وانزجِروا بزواجِره.
وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}؛ أي: ناصر الذين يَقفون عند حدودِ أمره ونَهيه.
* * *
(١٩٥) - {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وقوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} هذا في قصَّة الحديبية أيضًا، وسبيلُ اللَّه تعالى: هو طريقُ الغَزوِ، وكذا كلُّ طريقٍ يُبتغَى فيه رضى اللَّهِ تعالى فهو سبيلُ اللَّه، ووجهُ ذلك أنَّ مَن قصدَ مقصدًا طلبَ إليه سبيلًا، فمعناه: هذا وجهٌ يُلتمَسُ به رضى اللَّه تعالى، والوصولُ إلى ثوابِ اللَّه تعالى.
قال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه تعالى عنهما: خرجَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذي القَعدة سنة سبعٍ مرجعَه من خيبر بأربعة أشهر، وهو الشَّهرُ الذي صدَّه فيه المشركون، فاعتمروا، فقال رجلٌ مِن أهل المدينة: واللَّهِ يا رسول اللَّه، ما لنا زادٌ وما مِن أحدٍ يُطعِمُنا، فأمرَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُنفقوا في سبيلِ اللَّه، وأنْ يَتصدَّقوا، وألَّا يُلقوا بأيديهم فيهلكوا (٢)، فقيل:
(١) في (ف): "بأوامر اللَّه".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٢/ ٩١) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وهو إسناد تالف، وأورده أبو الليث في "تفسيره" (١/ ١٩٠).