ومن حملَ الذِّكرَ الأوَّلَ على اللِّسان، فإنَّه يَقول: التَّكرار للتَّأكيد، ولأنَّ الأوَّل أمرُ بالذِّكر، والثَّاني أمرٌ بالذِّكرِ وبيان السَّببِ الذي يُوجبُه، أو بيان صفتِه التي يُبتغى عليها، ولأنَّه أمرٌ بوصل الذِّكر بالذِّكر وبمداومة الشُّكر لتوالي الإنعام والبِرِّ.
* * *
(١٩٩) - {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} أي: ارجعوا يا قريش والحمس مِن عرفات كما يرجع سائرُ النَّاس منها، وهو أمرٌ بالوقوفِ بعرفات.
و {ثُمَّ} ليس (١) للترتيب هنا (٢)، فإنَّه ليس بعد (٣) الوقوف بالمزدلفة، لكنَّه بمعنى "مع"، وأريد به العطف المطلق، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ} إلى قوله عزَّ وجل: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} البلد: ١٢ - ١٧؛ أي: مع ذلك كان مؤمنًا.
وقيل: أراد بقوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}؛ أي: إبراهيمُ عليه السَّلام، وأولادُه، وأمَّتُه، ومتَّبِعوه؛ فإنَّهم كانوا غيَّروا ذلك، فرُدُّوا إلى الأصل.
وقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: أفيضوا الآن كما أُمِرتُم (٤)، واستغفرُوا (٥) لِما سلفَ منكم، يَغفر لكم اللَّه ويَرحمكم.
(١) لفظ: "ليس" من (ر).
(٢) "هنا" ليس في (أ) و (ف).
(٣) بعدها في (ر): "هذا".
(٤) "أي أفيضوا الآن كما أمرتم" من (أ).
(٥) فى (ف): "واستغفروا اللَّه"، وليست في (ر).