وقال الفرَّاء: للاختلاف معنيان؛ أحدهما: التَّبديل، والثاني: كفرُ بعضِهم بكتاب بعض (١).
وقوله تعالى: {أُوتُوهُ} أي: الحقَّ، وقيل: أي: الكتابَ، وقد سبقَ ذكرُ كلِّ واحدٍ منهما.
وقوله تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} أي: فهدَى اللَّهُ تعالى المؤمنينَ لما اختلفَ فيه المختلفون؛ أي: لمعرفةِ الحقِّ ممَّا اختلفوا فيه، أو لتَصحيحِ ما اختلفُوا فيه (٢)، فحذِفَ لدلالةِ الكلام عليه.
ودخول {مِنَ} في قوله تعالى: {مِنَ الْحَقِّ} لبيان الجنس؛ لأنَّهم مختلفون في أمورٍ كثيرةٍ، كقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} الحج: ٣٠.
وقوله تعالى: {بِإِذْنِهِ} قيل: بأمرِه؛ أي: أمرَهم بما هو الحقُّ، فكان ذلك هدايةً وإرشادًا إلى الحقِّ.
وقيل: هداهم؛ أي: خلقَ فيهم فعلَ الاهتداء، وذلك بإذنِه؛ أي: بعلمِه، قال تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} البقرة: ٢٧٩؛ أي: اعلموا. ومعناه: هداهُم وقد علمَ استحقاقَهم لذلك بقصدِهم واختيارِهم الحقَّ، أو يكون صلةً للاختلاف؛ أي: اختلفوا في الحقِّ وهو يعلمُه.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} بيَّنَ أنَّ مشيئتَة خاصَّة في الهداية، وليست كما تقوُل المعتزلةُ: إنها عامَّةٌ للخلق.
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء (١/ ١٣١).
(٢) قوله: "أو لتصحيح ما اختلفوا فيه" ليس في (أ).