الحُيَّض، والبردُ شديدٌ، فإن آثرناهنَّ بالثِّيابِ هَلكَ سائرُ أهلِ البيت، وإن آثرنا أهلَ البيت هَلكَت النِّساءُ بردًا، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّكم لم تؤمروا باعتزالهنَّ مِن البيوت، وإنَّما أُمرتُم باعتزالِ الفُروجِ إذا حِضْنَ، ويؤتينَ إذا طَهُرن"، وقرأ عليهم: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (١).
وقال مقاتلُ بن حيَّان: نزلَت في أبي الدَّحداحِ صاحبِ الحديقة.
وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى}؛ أي: قَذَر.
وقيل: أي (٢) شيءٌ تتأذَّى به المرأةُ، ويتأذَّى به مَن يَجِد ريحَها منها، وهذا بيانُ العلَّة، وبعده بيانُ الحكم، وهو قولُه تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ}؛ أي: اجتنبوهُنَّ، وتَنحَّوا عنهن، يقال: عزلتُه فانعزلَ؛ أي: نحَّيتُه فتنحَّى، ومنه: عزلُ الوالي، وعزلُ الماء عن المرأة، وعزلُ بعضِ الأقرباء عن الميراث، ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ}.
وقوله تعالى: {فِي الْمَحِيضِ} يجوزُ أن يكون مصدرًا كالأوَّل؛ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}، ومعناه: تنحَّوا عنهنَّ حالةَ حيضِهنَّ.
ويجوزُ أن يكون مَوضِعًا، كالمرجِع والموضع، ويكونُ عبارةً عن الفرج، ويدلُّ عليه ما روينا: "إنما أمرتم باعتزال الفروج" (٣).
واستدلَّ به محمَّدُ بنُ الحسن رحمه اللَّه في قوله: إنَّ الزَّوجَ يَجتنبُ شِعارَ الدَّم، وله ما سوى ذلك، وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما اللَّه احتاطا، فألحقا به ما
(١) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ١٩١ - ١٩٢).
(٢) لفظ: "أي" من (أ).
(٣) في قول مقاتل بن سليمان الذي سلف قريبًا.