تصحُّ رجعَتُهُ حُكمًا، وإنْ لم يَقصِد بها الإصلاح، لكن هذا تنبيهٌ أنَّ الإطلاقَ في حقِّ مَن قصدَ ذلك، فأمَّا مَن قصدَ الإضرارَ (١) بمراجعتِها بأنْ يُطلِّقَها بعد ذلك، ثمَّ يُراجعَها (٢)؛ تطويلًا للعدَّة عليها، فإنَّه آثمٌ بذلك، قال اللَّه تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} البقرة: ٢٣١ (٣).
وقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: وللنِّساء على الأزواج حقوقٌ كما لهم عليهنَّ حقوق، بما هو مستحسَنٌ شرعًا وعرفًا، ويجوزُ أن يكون هذا تفسيرًا لقوله تعالى: {إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}؛ أي: إقامةً للحُقوق من الطَّرفين، فله أنْ يُرَاجِعها مِن غيرِ رضاها، وعليها أنْ تُطيعَهُ، وعليه أن يُحسِنَ إليها ولا يضارَّها.
وقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}؛ أي: منزلةٌ؛ فإنَّ الطَّلاق بأيديهِم، والنَّفقةَ عليهم، والولايةَ عليهن لهم، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الآية النساء: ٣٤، وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عوان" (٤)، ولمَّا كان لهم عليهنَّ درجةٌ نُدِبوا إلى توفية حقوقهنَّ.
وقيل: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} في كمالِ العقل؛ فهم أَولى بأداءِ الحقِّ منهنَّ، وإثمُهم في المراجعة لا على إرادة الإصلاح والإضرارِ بهنَّ أكثرُ مِن إثمهنَّ بكتمانِ ما خلقَ اللَّهُ في أرحامهنَّ.
(١) في (ر) و (ف): "الأمر".
(٢) "ثم يراجعها" ليس في (ف) وبعدها في (أ): "ثم يطلقها".
(٣) وقع في هامش (أ) ما نصه: "فيه دلالةٌ على أنَّ الحكمَ المعلَّق بالشَّرط لا ينعدمُ عند عدمه، فإنَّه لا خلافَ بين أهل العلم أَنَّه إذا راجعها مضارًّا في الرَّجعة، مريدًا لتطويل العدة عليها؛ أنَّ رجعتها صحيحة".
(٤) رواه الترمذي (١١٦٣)، (٣٠٨٧)، والنسائي في "الكبرى" (٩١٢٤)، وابن ماجه (١٨٥١) من حديث عمرو بن الأحوص رضي اللَّه عنه.