وفي اتِّباعِها إضاعةُ الصلوات؛ عقَّبها الأمرَ بمحافظتِها؛ ليتحرَّزوا عنها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} مريم: ٥٩، ولأنَّ ذلك مِن حقوقِ الخَلْقِ، وهذا مِن حقوقِ الحقِّ، والقرآنُ يَشتمِلُ على بيان الحقَّين، وهو مثانٍ؛ لإتيانِه على هذين الاثنين.
(٢٣٨) - {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}.
ومعنى {حَافِظُوا}؛ أي: داوِموا ولازِموا، وأصلُ الحِفظِ: الضَّبطُ، وحفظُ الشَّيء عن النِّسيان هو ضبطُه في القلبِ، وحفظُ الشَّيء عن الضَّياع هو ضبطُه بالنَّفْس.
وقوله تعالى: {عَلَى الصَّلَوَاتِ} هي المكتوباتُ الخمسُ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، ثبتَ عددُها بغيرها من الآيات، وبالأحاديث المتواترة، وبإشارةٍ في هذه الآية، وهو ذكرُ {الْوُسْطَى}، والأوسط (١): ما اكتنفَهُ -أي: أحاطه (٢) - عددان متساويان، وأقلُّ ذلك خمسةٌ، ولا يقال بأنَّ الثَّلاث بهذه الصِّفة؛ لأَنَّا نقول: الثَّلاثُ لا يَكتنفُها عددان، فإنَّ الذي قبلَها واحدٌ، والذي بعدَها واحدٌ، والواحدُ ليس بعددٍ؛ فإنَّ العددَ ما إذا جُمِعَ بين طرفَيه صارَ ضعفَه، والواحدُ ليس له طرفان؛ فإنَّه ليس قبلَهُ شيء.
وقوله تعالى: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}؛ أي: وحافظوا على الصَّلاة الوُسطى منها، ومحافظتُها: حِفْظُ أوقاتِها، وأركانِها وشرائِطها وواجباتِها، وسُننِها وآدابِها وفضائلها. ثمَّ اختُلِفَ في الوسطى:
(١) في (أ) و (ر): "والوسطى".
(٢) قوله: "أي أحاطه" من (أ).