بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} الأنبياء: ٢٦ - ٢٩. وقد مر تفسيرُ الإحاطة على الاستقصاء.
وقال ابن كيسان: أي: لا يعلمون الغيب الذي يعلمه اللَّه تعالى إلا بقَدْر ما أَطْلعَ عليه بعضَ رسله ليكون حجةً له على أمته، فيعلمون أن علم الغيب لم يأته إلا من اللَّه تعالى، قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الجن: ٢٦ - ٢٧.
ثم قوله: {مِنْ عِلْمِهِ}؛ أي: معلومِه، واسم المصدر يقع على المفعول؛ يقال في الدعاء: اللهمَّ اغفِرْ علمك فينا؛ أي: معلومَك، فأما الإحاطةُ بعلم اللَّه تعالى الذي هو صفتُه القائمةُ بذاته فغيرُ متصوَّرة، تعالى اللَّهُ تعالى عن الإحاطة والإدراك بذاته و (١) صفاته، فإن اللَّه تعالى يُعلم ولا يحاط به، ويُرى ولا يُدرك.
وقوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} قيل: العرشُ والكرسي واحد، والمفهومُ منهما: السريرُ، وأصل الكرسي في اللغة هو المتراكِبُ، وقد تكارَسَ تكارُسًا؛ أي: تراكَبَ، والكُرَّاسة (٢) سمِّيت بها لتراكُبِ بعضِ أوراقها على بعضٍ. قال العجَّاج:
يا صاحِ هل تعرفُ رسمًا مُكْرَسًا... قال نعم أَعرفُه وأَبْلَسا (٣)
أي: تكارَسَ عليه التراب؛ أي: تراكَبَ فغطَّاه، والكَرْس: البَعرُ والبولُ، إذا تلبَّدَ
(١) في (أ): "أو".
(٢) في (أ): "والمتراكس".
(٣) انظر: "ديوان العجاج" (ص: ١٥٦)، و"معاني القرآن" للفراء (١/ ٣٣٥)، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة (١/ ١٩٢)، و"تفسير الطبري" (١/ ٥٤٣).