والثاني: قطِّعهن، والأصل فيه: صَرَيْتُ أَصْري؛ أي: قطَعت، فقُلب وقيل: صِرْتُ أَصيرُ، كما يقال: عَثَيْتُ أَعْثي، وعِثْتُ أَعِيثُ (١).
وقال القُشيري رحمه اللَّه: طلبَ إبراهيم عليه السلام بهذا حياة قلبه فأُشير إليه بذبح الطيور، وفي الطيور الأربعة أربعةُ معانٍ هي في النفس: في الطاووس زينةٌ، وفي الغراب أملٌ، وفي الديك شهوةٌ، وفي البطِّ حرصٌ (٢)، فأشار إلى أنه ما (٣) لم يَذبح نفسَه بالمجاهدة لم يَحْيَ قلبُه بالمشاهَدة.
وقوله تعالى: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا}: أي: بعضًا، بالهمزِ والتليين.
قيل: هذا عمومٌ أُريد به الخصوصُ؛ أي: على بعضِ الجبال كما في قوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} النمل: ٢٣.
وقيل: معناه: على كلِّ جبلٍ قدرْتَ عليه، أو (٤): على كل جبل بقُربك.
وقيل: جعلهنَّ على سبعة أجبُلٍ.
وقيل: على أربعة، وهو الأصحُّ، ففي رواية الحسن ذلك مع زيادةِ ذكرٍ يدل عليه، من تقسيم الرياحِ الأربع والآفاقِ الأربعة للدنيا (٥).
وقوله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ}: أي: قل: تعالين، أو قل (٦): يا طاووس ويا كذا ويا كذا.
(١) انظر: "معاني القراءات" للأزهري (١/ ٢٢٤).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٢٠٢)، وفيه: أن ذبح الطاووس لكونه زينة الدنيا وزهرتها، والغراب لحرصه، والديك لمشيته، والبط لطلبه لرزقه.
(٣) في (أ): "إلى أن من".
(٤) في (ر): "أي".
(٥) تقدم قريبا.
(٦) "أو قل" ليس في (ف).