وإنَّ اللَّهَ قد اطَّلع على أهل بدر فقال: اعمَلوا ما شِئتم فقد غفرتُ لكم، ولا (١) حسابَ عليكم ولا عذابَ" فنزل (٢) قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الممتحنة: ١، وقولُه تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} (٣).
وقوله: {لَا يَتَّخِذِ} نهيٌ، وهو مجزومٌ، وكُسر لالتقاء الساكنين، والأولياءُ: جمعُ وليٍّ، وهو الذي يَلي أمرَ مَن يرضاه بالعون والنُّصرة، وهو يُطلَق على المُعين وعلى المُعان أيضًا، واللَّه وليُّ المؤمنين؛ أي: مُعِينهم (٤)، والمؤمنُ وليُّ اللَّهِ؛ أي: معانُه.
ومعنى الآية: لا يَجعلنَّ أحدٌ مِن المؤمنين أحدًا مِن الكافرين وليًّا في أمرٍ مِن الأمور التي يتوالَى (٥) بها المتواصلون والمتوادُّون وأهلُ القرابات؛ مِن تعظيمٍ ومحبَّةٍ وصحبةٍ واستشارةٍ في مهمٍّ، بل ينبغي له أنْ يَصرف ذلك إلى المؤمنين.
ومعنى قوله: {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}: مفارقًا للمؤمنين مباعدًا لهم؛ لأنَّ مَن كان دون إنسانٍ في المكان، فهو مفارقٌ له مباعدٌ.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ}: أي: ومَن يتولَّهم (٦) {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ}: هي كلمةُ تبرُّؤٍ ومفارقةٍ.
وقال السدِّيُّ: ليس مِن ولايةِ اللَّهِ في شيءٍ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قد بَرئ منه (٧).
(١) في (أ): "فلا" بدل: "فقد غفرت لكم ولا".
(٢) في (أ) و (ف): "ونزل".
(٣) ذكره مختصرًا جدًّا مقاتلٌ في "تفسيره" (١/ ٢٧٠)، والثعلبي في "تفسيره" (٣/ ٤٦)، ورواه بتمامه البخاري (٤٨٩٠)، ومسلم (٢٤٩٤)، من حديث علي رضي اللَّه عنه لكن في نزول آية الممتحنة فقط.
(٤) في (أ): "واللَّه ولي المؤمن أي معينه".
(٥) في (ر) و (ف): "يتولى".
(٦) بعدها في (ر) و (ف): "وقوله تعالى".
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٣/ ٤٧).