بل بعث رزقَها مِن خزائنه، وهذا كلُّه ثمرةُ حُسن التسليم وحُسن القَبول (١).
وقوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}: قرأ أهلُ الكوفة مشدَّدة الفاء، والباقون مخفَّفةً (٢).
وقرأ الكوفيُّون -غيرَ عاصم في رواية أبي بكر- {زَكَرِيَّا} مقصورًا، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ممدودًا منصوبًا، والباقون ممدودًا مرفوعًا (٣)، فالمدُّ والقَصْر لغتان فيه، والاسمُ أعجميٌّ، وتكلَّمت به العربُ فعرَّبته.
والكَفْلُ: الضَّمُّ، والكَفالةُ بالمال: ضَمُّ ذمَّةٍ إلى ذمَّةٍ في حقِّ المطالبة بالدَّيْن، والكفالةُ بالنَّفس: ضَمُّ مطالبةٍ إلى مطالبةٍ، وكفالةُ اليتيم: ضَمُّه إلى نفسِه ويَضمن مؤنته (٤)، والكَفْلُ: مواصلةُ الصيام؛ وهو ضمُّ الأيَّام إلى الأيَّام في الصوم على الدَّوام.
ومعنى (كَفَلها) بالتخفيف: ضمَّها إلى نفسه، و {زَكَرِيَّا} رفعٌ؛ لأنَّه فاعلٌ.
ومعنى التشديد: جعل اللَّهُ زكريَّا كافلَها وضامَّها إلى نفسه، و {زَكَرِيَّا} نصبٌ، لأنَّه مفعولٌ به.
وقصَّته: ما قال الكلبيُّ رحمه اللَّه، قال: لمَّا وَلدت حنَّةُ مريمَ أخذتها فلفَّتها في خِرقةٍ فوضعتها (٥) في المسجد، فتنافس (٦) فيها الأحبارُ -بنو هارون- أيُّهم تكون عنده، فقال لهم زكريا عليه السلام: أنا أحقُّكم بها؛ خالتُها امرأتي، فقالت له
(١) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٢٣٧ - ٢٣٨).
(٢) انظر: "السبعة" (ص: ٢٠٤)، و"التيسير" (ص: ٨٧). والكوفيون من السبعة هم: حمزة والكسائي وعاصم.
(٣) انظر: "السبعة" (ص: ٢٠٥)، و"التيسير" (ص: ٨٧).
(٤) في (أ): "وتضمين مؤنة".
(٥) في (ف): "ووضعتها".
(٦) في (أ): "يتنافس".