فدل ذلك على ما قلنا، ولمَّا تعجَّب فقال: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} أجابه جبريل بما ذكرَ في الآية.
وقال الإمام أبو منصورٍ رحمه اللَّه: قال هاهنا: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}، وذكر في سورة مريم: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} مريم: ٨، فذكر على التقديم والتأخير، وقال هاهنا: {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} وقال هناك: {ثَلَاثَ لَيَالٍ} مريم: ١٠، ونعلم أن القصَّة واحدة، وقد ذُكرَتْ على اختلاف الألفاظ، ولم يكن تكلَّم زكريا بهذا اللِّسان، فدلَّ أنَّه (١) ليس على الخلق حفظ اللَّفظ، إنَّما عليهم حفظ المعاني المدرجَة فيها (٢).
قولى تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ}؛ أي: هو كما قلْتَ إنَّك قد (٣) كَبِرتَ وامرأتَك عاقرٌ.
وقيل: أي: على هذه الحالِ يُولَد لك؛ لأنَّ اللَّه تعالى قادرٌ على كلِّ شيءٍ.
قوله تعالى: {اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}: يعني: على وفاق العادة وعلى خلاف العادة؛ لكمالِ قدرتِه، ونفاذ مشيئتِه.
وقيل: معناه: كما بشَّرناك به نعطيكَ إيَّاه.
* * *
(٤١) - {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}.
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً}؛ أي: علامةً أَعرف بها علوقَه متى كان،
(١) في (ف): "على أنه".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٢/ ٣٦٥).
(٣) "قد" من (ر).