وقالوا أيضًا: في الاستعاذة من الشيطان إظهارُ الخوف من غيرِ اللَّه تعالى، وهو يُخِلُّ بالعبودية!
وقلنا: اتخاذُ العدوِّ عدوًّا تحقيقٌ للمحبَّة، والفِرارُ من غيرِ اللَّه إلى اللَّهِ تتميمٌ للعبودية، والامتثالُ لأمر اللَّه تقديمٌ للطاعة، والخوفُ ممن لا يخافُ اللَّهَ إظهارٌ للمسكَنة، والالتجاءُ باللَّه تأكيدٌ للمباسَطة.
وقيل: التعوُّذ للتبعُّد والتوحُّش، وهي كلمةُ استيحاشٍ عند بعضهم، والتبعُّدُ من المبعَّد لا يكون لخوفه، بل يكونُ وفاقًا لمن بعَّده؛ ألا تَرى أن الإنسان يتباعَدُ عمَّن (١) بعَّده السلطان، لا خوفًا من ذلك الإنسان، بل وفاقًا للسلطان على ما كان.
كأنه يقول: أي إبليسُ الذي بَعُدْتَ من القُربة والرضا فابعُدْ عنا بعيدًا (٢).
ألا تَرى أن السامريَّ لمَّا بعَّده (٣) اللَّه تعالى من رحمته، أمَره موسى أن يدوم على قوله: {لَا مِسَاسَ} طه: ٩٧ في جميع مدته، يُبعد الناسَ بذلك عن صحبته.
وقيل: هي للتبرِّي من (٤) الحول والقوة؛ كأنه يقول: هلك الشيطانُ بالنظرِ إلى أصله وفِعله، وأنا أتبرأُ إلى اللَّه تعالى مِن مِثله.
وقيل: هو الاستعاذة باللَّه من حالِ إبليس ومآلهِ، لا عن كيدِه وإزلاله وإضلاله.
(١) في (ر): "ممن".
(٢) في (أ) و (ف): "أردحمت وقريب دور مارا ان تودو دورا دورا"، مع بعض اختلاف في الرسم بينهما. وجاء في هامش (ف): "تعريبه: يا إبليس الذي بعدت من القربة والرحمة فابعد عنا بعدًا بعيدًا".
(٣) في (ر): "أبعده".
(٤) في (ف): "عن".