(٧٩) - {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}.
قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}: قوله: {مَا كَانَ} له وجهان:
أحدُهما: النَّفيُ؛ أي: لا يكون الرَّسول بهذا الوصف بحالٍ، وهو كقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} مريم: ٣٥.
والثَّاني: أنَّ معناه: حرامٌ على الرَّسول ذلك، كما تقولُ: ما كان لك أن تفعلَ كذا، وهو كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} آل عمران: ١٦١.
واتِّصالُها بما قبلَها: ما جاءَ في قصَّة نزولِها؛ قال (١) ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: لَمَّا دعا النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أهلَ الكتاب، وأوعدَهم على نقضِ العهد وتغييرِ نعتِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال أبو رافعٍ القُرظيُّ: تريدُ منَّا يا محمَّدُ أنْ نعبدَك ونتخذَك ربًّا كما فعلَتِ النَّصارى بعيسى؟ فأنزلَ اللَّه تعالى هذه الآيةَ ردًّا عليه: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} (٢)؛ أي: ليس لآدميٍّ {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ}؛ أي: يعطيَه اللَّهُ كتابَه وحيًا إليه، {وَالْحُكْمَ}؛ أي: بيانَ الكتاب والقضاءَ بين الخلق، {وَالنُّبُوَّةَ}: فيبعثه اللَّه رسولًا إلى خلقه.
قوله تعالى: {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ}؛ أي: اعبدوني واتَّخذوني إلهًا.
وكيف يجوزُ مِن محمَّدٍ هذا وهو ينهاكم أن تتَّخذوا عُزيرًا ربًّا وعيسى كذلك؟! فكيف يرضى ذلك لنفسه (٣)؟!
(١) في (ف): "عن".
(٢) رواه ابن إسحاق كما في "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٥٥٤)، ومن طريقه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٥٢٤)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٥/ ٣٨٤).
(٣) في (أ): "في نفسه"، وفي (ف): "بنفسه".