قوله تعالى: {مِمَّا تُحِبُّونَ}؛ أي: من أموالٍ (١)، و (من) للتبعيض، فلم يَشترِط إنفاقَ كلِّ المال تيسيرًا على العباد، ووعدَ الجنة على الإنفاق مِن بعضه تخفيفًا على عبده.
ودلَّتِ الآية على (٢) أنَّه لا بأس بمحبَّة شيءٍ من الدُّنيا إذا لم يقدِّمْه على محبَّة الدِّين، قال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} البقرة: ١٧٧، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى قوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} التوبة: ٢٤، وهو وعيد العذاب.
وقيل: {مِمَّا تُحِبُّونَ}؛ أي: ممَّا يعجبُكم ويَعزُّ عليكم مِن أموالكم.
وقيل: مِن خيارِه وجيادِه دونَ رذاله، وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفضلُ الصدقةِ ما تصدَّقْتَ به وأنت صحيحٌ شحيحٌ تأمُل الغنى (٣) وتخشى الفقر" (٤).
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: ذكَر (مِن) وهو للتَّبعيض، فمَنْ أراد البِرَّ فلينفقْ بعضَ ما يحبُّه، ومَنْ أرادَ البارَّ فلينفقْ جميعَ ما يحبُّه، ومَنْ أنفقَ محبوبه من الدُّنيا وجدَ مطلوبَه من الحقِّ، ومَنْ كان مربوطًا بحظوظ نفسِه لم يحظَ بقرب ربِّه.
قال: ويُقال: إذا كنْتَ لا تصلُ إلى البرِّ إلَّا بإنفاق محبوبِك، فمتى تصلُ إلى البارِّ وأنت تُؤْثر عليه حظوظَك (٥)؟!
وعن أنسٍ رضي اللَّه عنه قال: لَمَّا نزلَتْ هذه الآيةُ قالَ أبو طلحةَ: يا رسولَ اللَّهِ،
(١) في (أ): "الأموال".
(٢) "على": من (أ).
(٣) في (أ): "العيش"، وهي رواية ابن ماجه والنسائي.
(٤) رواه البخاري (٢٧٤٨)، ومسلم من (١٠٣٢)، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٢٥٨).