وقال قتادة: لَمَّا نزلت الآيةُ قال الحيَّان: واللَّه ما يَسرُّنا أنَّا لم نهمَّ بالَّذي همَمْنا به وقد أخبرنا اللَّه تعالى بأنَّه وليُّنا (١).
ورُوي أنَّه لَمَّا انصرفَ عبدُ اللَّه بن أُبيٍّ بثُلث الجيش قال: يا قوم، علامَ نقتلُ أنفسنا وأولادنا، فتبعهم عبد اللَّه بن عمرو بن حرام (٢) فقال: أتترك النبيَّ عليه السلام والصحابة؟ فقال: لو نعلم قتالًا لاتبعناكم، ولو أطَعْتنا لرجعْتَ معنا. وهمَّتْ بنو سلمة وبنو حارثة (٣) بالانصراف، فوفَّقهم اللَّهُ للسَّداد فلم يرجعوا (٤).
وفي الإخبار عن هذا الهمِّ وهو غيبٌ دلالةُ صدقِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنَّه أَخبر بإخبار اللَّه تعالى وإطْلاعه إيَّاه عليه.
قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}: قال الإمام أبو منصورٍ رحمه اللَّه: أي: فليَعتمِد على ما وعد، وليجتهد في الوفاء بما عهد، وليفوِّض كلَّ أمره إلى اللَّه إذ علم أنَّه بكلِّيته للَّه، وإليه مرجعه، وبهذه الجملة وعدَ أن ينصر دينَه.
قال: وليس في القرآن تعيين الطَّائفتين، ولا ينبغي أنْ يُذكرَ إلَّا بإقرارٍ منهما، وقد روي أنهما أقرَّتا بذلك لِمَا سمعتا من قوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} (٥).
وقال سهل بن عبد اللَّه التُّسْتَريُّ: جملةُ العلوم أدنى بابٍ من التَّعبُّد، وجملةُ
(١) رواه البخاري (٤٠٥١)، ومسلم (٢٥٠٥)، من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما.
(٢) في النسخ: "حزام"، والمثبت من المصادر وستأتي.
(٣) في (أ): "حارث".
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (٦/ ٢٢٢)، وابن المنذر في "تفسيره" (١١٦٦) من طريق ابن إسحاق عن جمع من أشياخه، وهو في "السيرة النبوية" لابن إسحاق (٢/ ٦٤). وما بين معكوفتين من هذه المصادر.
(٥) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٢/ ٤٦٨).