وطعنةٍ برمحٍ ورميةٍ بسهمٍ، فكنا نقول: فيه وفي أصحابه أنزلت: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (١).
وقال مجاهدٌ: قال ابن أبيٍّ وأصحابُه من المنافقين: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} آل عمران: ١٦٧، فقال اللَّه تعالى: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} يومَ أحد. فعلى هذا نزلت الآية في المنافقين.
وقال الإمام أبو منصورٍ رحمه اللَّه: يحتمِل قولُه جلَّ جلالُه: {تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} أنها في قومٍ تمنَّوا عين الموت خوفًا عن الرجوع عن الدين، فتمنَّوا الموت على الإسلام، ويحتمِل أنهم تمنَّوا الموت ليتخلَّصوا عن تعذيب الكفار إياهم، وخافوا بها على دينهم فأحبوا أن يموتوا فيَتخلَّصوا (٢).
وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}؛ أي: إلى من يموتون بالقتل.
فإن قالوا: تمنِّي الموتِ بالشهادة تمنِّي قتلِ الكافر إياهم على الإيمان، وذاك كفرانٌ، أفلا (٣) يكون رضًى بالكفر؟
قلنا: لا، وهو (٤) تمني الجهادِ والصبرِ عليه إلى أن يُستشهدوا، أو هو تمنِّي أن يعذَّب الكافر على كفره، وهو غاية استقباح الكفر، قال اللَّه تعالى خبرًا عن موسى وهارون صلوات اللَّه عليهما أنهما قالا: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا} يونس: ٨٨.
(١) رواه البخاري (٤٠٤٨)، ومسلم (١٩٠٣)، من حديث أنس رضي اللَّه عنه.
(٢) هذا الكلام وقع فيه اختلاف في التقديم والتأخير بين النسخ، وقد أثبتنا ما في (أ) فهو الأقرب لكلام "التأويلات". انظر: "تأويلات أهل السنة" (٢/ ٤٩٧).
(٣) في (ر) و (ف): "وذاك كفرٌ فلا".
(٤) في (ف): "قلنا هو".