في حق ثواب الآخرة هاهنا هو الحكمُ به والوعد، وهذا كقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} التوبة: ٢٩.
وأراد به الالتزام؛ فإن حقيقة الإعطاء يكون بعد سنةٍ، والقتال يسقط بقبولهم الجزية، فكان ذلك إعطاءً على معنى أنه ثبت فصار كالمعطَى.
قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}: أي: هم محسِنون واللَّه يحبهم ويُحسن ثوابَهم.
وقال الإمام أبو منصورٍ رحمه اللَّه: يحتمِل أن يكون هو إحسانَ المعرفة، يقال: فلانٌ يُحسِن كذا، ويحتمِل أن يكون هذا اختيارَ محاسن الأفعال، ويحتمِل أن يكون هذا إحسانًا إلى نفسه بالعمل بما فيه النجاة (١).
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا} أقلُّ ذلك القناعةُ، ثم الرضا، ثم العيش معه، ثم الأنسُ (٢) بقربه، ثم كمالُ الفرح بلقائه (٣).
{وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ}: دخولهم الجنة وهم محرَّرون عنها غيرُ داخلين في أسرها.
قال: ويقال: ثوابُ الدنيا والاخرة: الغيبةُ عن الدارين برؤية خالقهما، ثم حُسنُ ثوابِ الآخرة بدوامه وتمامه، وأنْ لا يشوبه (٤) ما ينافيه (٥).
* * *
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٢/ ٥٠٤).
(٢) في (ف): "الأمن".
(٣) في النسخ: "ببقائه" والمثبت من "لطائف الإشارات"، وزاد: (ثم استقلال السر بوجوده).
(٤) في (ر): "ولا يعارضه"، بدل: "وأن لا يشوبه".
(٥) انظر: "لطائف الاشارات" (١/ ٢٨٣ - ٢٨٤).