يقول: قد صدَق اللَّه هذا الوعدَ، وهو قوله: {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} آل عمران: ١٥٠، وقولُه تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} آل عمران: ١٥١ وقولُه تعالى: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ} بكذا (١)، قد صدق هذا الوعدَ في ابتداء الأمر يوم أحدٍ إذ غلبتُم الكفار وقتلتُم كثيرًا منهم، غيرَ أن هذا الوعد كان معلقًا بقوله: {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} آل عمران: ١٢٥.
قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ}: أي: جبُنْتُم {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر}؛ أي: اختلفتُم {وَعَصَيْتُمْ}؛ أي: خالفتُم أمر النبيِّ عليه السلام بلزوم المراكز.
وقولُه تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}؛ أي: من قهر الكفار.
و (حتى إذا) يطلب جوابًا، واختُلف في جوابه:
قيل: هو مضمرٌ في آخره، وهو: قطع عنكم نصرته.
وقيل: الواو في {وَتَنَازَعْتُمْ} مقحمةٌ زائدةٌ (٢).
وقيل: فيه تقديمٌ وتأخيرٌ (٣)، وتقديره: حتى إذا تنازعتُم فشلتُم، فكان الاختلافُ هو سببَ الفشل، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} الأنفال: ٤٦، ونظيرُ هذه الواوِ
(١) "بكذا" ليس في (ف).
(٢) وهذا لا يستقيم إلا باعتبار التقديم والتأخير -وهو ما سيأتي بعده- لأن انتفاء هذا الاعتبار يؤدي إلى أن يكون التنازع مسببًا عن الفشل، والأمر على العكس كما جاء في صريح الكتاب وسيأتي.
(٣) يعني: مع القول بزيادة الواو، وهذا قول الفراء؛ أي: زيادة الواو مع التقديم والتأخير. انظر: "معاني القرآن" للفراء (١/ ٢٣٨). وقد ضعف هذا القول أبو حيان، ورجح القول بالإضمار -كالمؤلف فيما سيأتي- وأن التقدير: انقسمتم قسمين، مستظهرًا ذلك على قول ابن عطية: انهزمتم، والزمخشري: منعكم نصره، وغيرهما: امتُحنتم. وهي تقادير متقاربة كما قال. قلت: وكذا تقدير المصنف الذي يتوافق مع تقدير الزمخشري. وانظر: "البحر المحيط" (٦/ ٢٠٠).