وقوله تعالى: {غَلِيظَ الْقَلْبِ}: أي: قاسيَ القلب غيرَ رقيق القلب.
وقوله تعالى: {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}: أي: لتفرَّقوا عنك، وقد فضضْتُ الشيءَ؛ أي: كسرتُه، فانفضَّ؛ أي: انكسر، وفي الكسر تفريقٌ، وفي الانكسار تفرُّقٌ.
يقول: لو كنتَ فظًّا (١) غليظَ اللسان أو القلبِ وخاشَنْتَهم وعاتبتَهم على الانهزام لتفرَّقوا عنك هيبةً لك واحتشامًا مما كان منهم من تولِّيهم عنك.
وقد رُوي أنه لمَّا راَهم لم يَزِدْ على قوله: "لقد ذهبتم فيها عريضةً" (٢).
وقال لهم بالمدينة حين لقيهم: "أمَا إنهم لن ينالوا منكم مثلَها حتى يفتحَ اللَّه تعالى لكم عليهم" (٣).
وقيل: في الآية مدحٌ له بحسنِ الخلُق في كلِّ (٤) حالٍ، لا في حقِّ هؤلاء على الخصوص، ثم أمَره بالدوام عليه وذلك:
قوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ}: أي: لا تؤاخذهم بما كان منهم ولا تعيِّرهم به (٥) {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} مني تطييبًا لأنفسهم.
وقيل: فائدة الجمع بين الكلمتين: كمالُ اللطف بالمؤمنين، يقول: قد جَنَوا في حقِّك، فأنا أشفعُ إليك فيهم، فاعفُ عنهم، وجنَوا في حقِّي فاشفَعْ إليَّ أنت فيهم واستغفرْ لهم.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: هي أرجى آيةٍ في القرآن، وكذا قولُه:
(١) "فظا" ليس في (أ).
(٢) تقدم قريبًا.
(٣) انظر: "مغازي الواقدي" (١/ ٣٣٧)، وفيه أن المخاطب بذلك هو طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه عنه.
(٤) في (أ) و (ف): "بكل" بدل: "في كل".
(٥) "به" ليس في (أ).