قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}: (قد) كلمةُ التحقيق واللام لزيادة التأكيد (١).
و {مَنَّ اللَّهُ}؛ أي: تفضَّل اللَّه على أهل الإيمان بنبيِّه الذي وصفه باللِّين والخلُق العظيم وتركِ الفَظاظة والغِلْظة.
وقوله تعالى: {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}: أي: من نسَبهم، وجميعُ العرب من قراباتِ أبيه أو أمِّه.
وقيل: {مِنْ أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: من جنسهم لا من الملائكة وغيرِهم، وهو إجابة دعاء الخليل صلوات اللَّه عليه: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} البقرة: ١٢٩.
والمنَّة في ذلك من وجوه:
أحدها: أنهم كانوا عرَفوا مولده ومنشأه وصدقَه وأمانته وطهارةَ أخلاقه، فاندفع بذلك كثير من الخواطر التي تقع للإنسان لو كان المبعوثُ غريبًا يجهلون أصله وأخلاقه.
ومنها: أن لهم شرفًا بكونه من نسَبهم؛ قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} الزخرف: ٤٤ وأيُّ شرفٍ فوق هذا: أنه ظهر منهم رسولٌ له معجزات، وهو أجلُّ الأنبياء كراماتٍ؟
ومنها: أنه كان بلسانهم، فكان ذلك أقربَ إلى الأخذ منه، وتفهُّم أحكام اللَّه تعالى عنه.
وقوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}: أي القرآن، و: {وَيُزَكِّيهِمْ}؛ أي:
(١) في (أ): "قد كلمة التأكيد واللام لزيادة التحقيق"، ومثله في (ف) لكن فيها: "للتأكيد" بدل: "التأكيد".