ومَن جعَل هذه اللامَ لامَ العاقبة كما في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} القصص: ٨ وقال: خلقهم اللَّه (١) ليطيعوا لكنهم عصَوا، ففي هذا تجهيل اللَّه تعالى وتسفيهه؛ لأنَّه إن علم أنهم لا يطيعون وخلقهم للطاعة فهو سفَهٌ، وإن لم يعلم أنهم لا يطيعون فهو جهلٌ، وتعالى اللَّه عن ذلك كلِّه (٢) علوًّا كبيرًا.
* * *
(١٧٩) - {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}: أي: ليس من صفة اللَّه تعالى أن يترك المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم وإظهارهم أنهم منكم، وعلى هذا هو رجوعٌ من المغايَبة إلى المخاطبة كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} يونس: ٢٢.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قيل فيه بوجوه (٣):
قيل: لا يترك اللَّه المؤمنين على ما أنتم عليه أيها المنافقون، ولكن يمتحنكم بالجهاد وأنواع المحن ليَظهر المنافق لهم (٤) من المخلِص.
وقيل: ليظهر الكافر من المؤمن.
(١) لفظ الجلالة ليس من (أ).
(٢) "كله" سقط من (أ).
(٣) في (أ): "إنه بوجوه"، وفي (ر): "فيه وجوه".
(٤) في (ر): "لكم"، والمثبت موافق لما في "التأويلات".