وقيل: إن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- داعٍ لمن شهده ولمن جاء بعده، قال تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} الأنعام: ١٩ فالصرفُ إليه أولى.
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} فصلت: ٣٣، وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} (١) يوسف: ١٠٨، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} النحل: ١٢٥.
وقوله تعالى: {يُنَادِي لِلْإِيمَانِ}؛ أي: إلى الإيمان، كما في قوله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ} آل عمران: ١٦٧؛ أي: إلى الكفر، وإنما جاز اللام مقام (إلى) لأن اللام للغرض الذي هو الغاية، و (إلى) للغاية، فتقاربا.
وقيل: فيه تقديم وتأخير: سمعنا مناديًا للإيمان ينادي.
وقوله تعالى: {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ}: قيل: {أَنْ} منصوب بوقوع النداء عليه، وقيل: هو منصوب بنزع الباء (٢)؛ أي: بأنْ آمنوا بربكم.
وقوله تعالى: {فَآمَنَّا}: قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: دل هذا على أن الإيمان هو الإقرارُ والاعتقاد دون العمل، وعلى بطلان الاستثناء فيه، فإنهم كما دُعوا إليه أجابوا وحقَّقوا ذلك للحال قبل العمل (٣)، ولم يستثنوا فيه، ومدحهم اللَّه تعالى عليه (٤).
وقوله تعالى: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا}: المغفرة: ستر الذنوب،
(١) بعدها في هامش (ر): "إلا بإذنه" وعليها علامة التصحيح.
(٢) في (ر): "بنزع الخافض".
(٣) في (ر): "وقبل العمل"، وعبارة "التأويلات": (لأنه لما قال لهم: آمنوا بربكم لم يطلبوا التفسير، ولا قالوا: كم أشياء تكون؟ ولكن أجابوه إجابة موجزة، فقالوا: {فَآمَنَّا رَبَّنَا}).
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٢/ ٥٦٢).