أحدها: الإشباع، كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} الزخرف: ٨٠، والرَّحمنُ والرَّحيمُ كالنَّدمان والنَّديم، واللَّهفان واللَّهيف، والجمعُ بينهما كالجمع بين قولهم: جادٌّ مُجِدٌّ.
والثاني: قولُ ثعلب: أنَّ الرَّحمن عبرانيُّ الأصل، فقُرنَ به الرَّحيمُ الذي هو مفهومُ العرب (١).
والثالث: أنَّ معنى الاسمين مختلفٌ كما مرَّ مِن الأقوال (٢)، فلم يَكن تكرارًا.
والرابع: أنَّه بَدَأَ باسم اللَّه وهو دلالةُ الهَيبة، فذَكَر بعده اسمين مشتقَّين مِن الرحمة، يبشِّرهم أنَّه يُوصِل إلى عباده آثارَ رحمتِه أَكثر ممَّا يُوصِل إليهم آثارَ رهبته (٣).
ثم معنى تقديمِ اسمِ الرَّحمن على الرَّحيمِ: أنَّه اسمٌ خاصٌّ للَّه تعالى، فقدِّم على الرَّحيم الذي قد يُسمَّى به غيرُه، ولأنَّ الرَّحمن أبلغُ في المدح، فكان أَولى بالسَّبق، ولأنَّ معناه: الرازقُ، ومعنى الرَّحيم: الغافرُ، وأَثَر ذلك أسبق (٤) وصولًا إلى العبد (٥)، فسَبَق في الذِّكْر.
ومعنى البداية في التسمية (٦) باسمِ اللَّه، ثم بالرَّحمن، ثم بالرَّحيمِ: أنَّ الناسَ عند مبعثِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا فِرَقًا ثلاثة:
مشركي العرب: وكانوا يَعرفون اسمَ اللَّه، قال اللَّه تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ
(١) انظر: "معاني القرآن" للنحاس (١/ ٥٥ - ٥٦).
(٢) في (أ) و (ف): "الأقاويل".
(٣) في (أ) و (ف): "هيبته".
(٤) في (أ): "أشق".
(٥) في (أ): "العباد".
(٦) بعدها في (ف): "بسم اللَّه الرحمن الرحيم".