والدَّليل على أنَّ المراد هذا لا غيره: أنَّه لو قيل هذا في الأمر بشيء آخر لم يكن إلَّا على هذا الوجه، فإنَّه إذا قيل لقوم: ادخلوا الدَّار مثنى وثلاث ورباع، لم يكن أمرًا بدخول تسعة منهم جملةً في حالة، بل هو أمر لهم أن يدخلوا (١) اثنين اثنين، ولهم أن يدخلوها بدل ذلك ثلاثة ثلاثة، ولهم أن يدخلوا بدل ذلك أربعة أربعة، وكذا في كلِّ موضع، هذا هو قضيَّة اللُّغة، ولا معنى لهذيان الرَّافضة.
قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}: فيه إضمار؛ أي: فانكحوا واحدةً.
وقرأ الحسنُ وأبو جعفرٍ والجحدري: {فواحدةٌ} بالرَّفع (٢)، وهذا (٣) ابتداءٌ، وخبرُه محذوفٌ، وتقديرُه: تكفيكُم، ونحوُ ذلك.
قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}: قيل: هذا (٤) مرفوعٌ بالابتداء، مع قراءة الأولى بالنَّصب؛ لأنَّه لا يقع النِّكاح عليها، فلا تُعطَف على المنكوحات.
وقيل: يجوز فيه النَّصب، على إضمار فعل يقع عليها، وتُنصب في الظَّاهر بناءً على المذكور أولًا (٥)؛ كما في قولِ القائلِ:
ورأيْتُ زَوْجَكِ في الوغى... متقلِّدًا سيفًا ورمحا (٦)
(١) في (ر) و (ف): "يدخلوها".
(٢) قرأ بها أبو جعفر كما في "النشر" لابن الجزري (٢/ ٢٤٧)، ونسبت أيضًا للحسن، والأعمش، وحميد، وشيبة. انظر: "الكامل في القراءات" لأبي القاسم اليشكري (ص: ٥٤٢).
(٣) في (أ): "وهو".
(٤) في (ف): "هو".
(٥) في (ف) و (أ): "أولا".
(٦) البيت لعبد اللَّه بن الزِّبَعْرى، وهو في ديوانه (ص: ٣٢)، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة (٢/ ٦٨)، و"معاني القرآن" للفراء (١/ ١٢١)، و"الخصائص" لابن جني (٢/ ٤٣١) و"تفسير الطبري" =