قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}: قيل: لمَّا نزل قولُه تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} قالوا: تركنا هذا، لا نرثهنَّ كرهًا، لكنَّ نخطبهُنَّ فننكحهُنَّ برضاهنَّ، فنزلَتْ هذه الآية، فنُهوا عن ذلك أيضًا، فقالوا (١): كنَّا نفعلُ ذلكَ، فكيفَ حالُ ما كان منَّا؟ فبيَّنَ أنَّه رفعَ إثمَ ذلك عنهم لِمَا أنَّهم لم يعلموا ذلك، أو كان قبل ورودِ الشَّرع بالتَّحريم، وذلك قوله تعالى:
{إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}: فإثمُ ذلك مرفوعٌ عنكم (٢).
ثم بيَّنَ صفةَ هذا العقد في الحال، وذلك قوله تعالى:
{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}: أي: فعلةً قبيحةً {وَمَقْتًا}؛ أي: أشدَّ البغض عندَ اللَّهِ.
وقوله تعالى: {وَسَاءَ سَبِيلًا}: هو نصب على التَّمييز؛ أي: بئس السَّبيلُ هذا؛ فإنَّه يؤدِّي بصاحبه إلى النَّار، والاستثناءُ منقطع، ومعناه: لكن ما قد سلف فقد عُفي عن ذلك.
وقال محمَّد بن جرير: لم يُرِدْ به منكوحةَ الأب؛ فإنَّه لم يقل: (مَن نكح)، بل قال: {مَا نَكَحَ}، ويرجع إلى الفعل، وتقديرُه: ولا تنكحوا من النِّساء مثلَ ما كان ينكحُ آباؤكم من المناكح المحرَّمة في الدِّين، فإنْ فعلْتُم ذلك فهو مفسوخٌ عليكم، إلَّا ما قد سلفَ مِن نكاحِ مَن يجوزُ نكاحُ مثله في الإسلام ابتداءً، فإنَّه غيرُ مفسوخٍ عليكم (٣).
وقيل: المرادُ بالنِّكاح هو الوطء، كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} النساء: ٦؛ أي: لا تطؤوا ما وطئ آباؤكم، وفيه تحريم وطء موطوءة الأب؛ بنكاحٍ
(١) في (ف): "قالوا".
(٢) في (أ): "منه".
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (٦/ ٥٥٢).