فدلَّ الحديثُ (١) على أنَّ الفاتحةَ مكيَّة، وأنَّها أوَّلُ ما أُنزل، وأنَّ التسميةَ ليست بآيةٍ منها.
وقال مجاهدٌ وحده: هي مدنيَّةٌ (٢).
وقالوا: هذه هفوةٌ منه، ولا يُظَنُّ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَكَثَ بمكَّة ثلاثَ عشرةَ سنةً يُصلِّي فيها بغير فاتحةِ الكتاب، هذا ممَّا لا تَقبله العقول.
وقال جماعةٌ -وفيه تلفيقٌ بين هذين القولَين-: هي مكيَّة مدنيَّة؛ أي: نزلت بمكَّة مرَّةً وبالمدينة مرَّةً؛ تفضيلًا لهذه السُّورة على غيرها، ولهذا سمِّيت مثانيَ؛ لتثنية نزولها.
وأمَّا قولنا: وأقسامُها أربعةٌ (٣): فهي ذِكْر اللَّهِ تعالى فيها بأسمائه الحسنى، وفيه إظهارُ العبدِ مِن نفسه العبادةَ والاستعانةَ، ومدحُ الموافقين، وذمُّ المخالفين.
وأمَّا قولنا: أسماءُ اللَّه تعالى فيها خمسة: فهي: اللَّهُ والرَّبُّ والرَّحمنُ والرَّحيمُ والمالكُ.
وأمَّا قولنا: الأشياءُ التي يُظهِر العبدُ فيها مِن نفسِه ستَّةٌ: فهي: إخلاصُ العبادة،
= بالقول: ولولا صحة الأخبار على غير هذا النحو كان هذا الخبر أقوى دليل على مكيتها، فافهم.
(١) "الحديث" من (أ).
(٢) انظر: "تفسير أبي الليث" (١/ ٣٩). وفي قول المؤلف: "وحده" نظر، فقد نقل ابن عطية في "المحرر الوجيز" (١/ ٦٥) القول بذلك عن الزهري وعطاء بن يسار وسوادة بن زياد وعبد اللَّه بن عبيد بن عمير، لكن المشهور بالقول به مجاهد، قال السيوطي في "الإتقان" (١/ ٤٦): اشتهر عن مجاهد القول بأنها مدنية، أخرجه الفريابي في "تفسيره" وأبو عبيد في "الفضائل" بسند صحيح عنه، قال الحسين بن الفضل: هذه هفوة من مجاهد لأن العلماء على خلاف قوله.
(٣) في (ف): "على أربعة".