تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} النساء: ١٥٩؛ أي: إلَّا مَن، وقوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} الصافات: ١٦٤؛ أي: إلا من، وهو كقول الشاعر:
فظلُّوا ومنهمْ دَمعُهُ سابقٌ له... وآخرُ يَثني دمعةَ العين بالمَهْلِ (١)
وقوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} أي: يحولون (٢)، و"الكلم" جمعُ كلمة، ولذلك قال تعالى: {عَنْ مَوَاضِعِهِ}، والتَّحريفُ نوعان:
أحدهما (٣): صرفُ الكلامِ إلى غير المراد به بضربٍ من التَّأويلِ الباطل.
والثاني: تبديلُهم الكلمةَ بأُخرى، وكانوا يفعلون ذلك، قال تعالى: {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} البقرة: ٧٩.
وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا} أي: قولَك، {وَعَصَيْنَا}؛ أي: أمرَك (٤)، يُظهِرون الأوَّل، ويُضمرون الثاني خوفًا.
وقوله تعالى: {وَاسْمَعْ} أي: قولنا، {غَيْرَ مُسْمَعٍ} أي: لا أسمعَك اللَّهُ، وهذا كانوا يضمرونَهُ في أنفسهم.
وقيل: معناه: غير مسمَعٍ؛ أي: غيرَ مجابٍ، قاله الحسن (٥)، وتحقيقُه على وفق اللُّغة؛ أي: لا نُسمِعُكَ إجابتَنا، وهذا كانوا يضمرونَه أيضًا.
(١) البيت لذي الرمة، وهو في "ديوانه" (١/ ١٤١)، وسلف عند تفسير الآية (٩٦) من سورة البقرة.
(٢) في (ر) و (ف): "يحرفون".
(٣) لفظ: "أحدهما" ليس في (أ).
(٤) نص العبارة في (ر) و (ف): " {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}؛ أي: سمعنا قولك، وعصينا أمرك".
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٥٩٤)، ومن طريقه الطبري في "تفسيره" (٧/ ١٠٦)، وابن أبي حاتم (٣/ ٩٦٦) (٥٣٩٦).