وقيل: الآيةُ في حقِّ بني إسرائيل؛ كما قال في سورة البقرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} الآيات على ما بيَّنا.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: مكَّنك من الدُّنيا، ثمَّ قلَّلها، فلم يَعُدَّها لك شيئًا، ثمَّ لو تصدَّقتَ منها بشِقِّ تمرةٍ، استكثَره منك، وهذا غايةُ الكرم وشرط المحبَّة؛ وهو استقلالُ الكثيرِ مِن نفسِه، واستكثارُ القليلِ مِن حبيبه.
قال: وإذا كانت قيمةُ الدُّنيا قليلةً، فأخسُّ مِن الخسيس مَن رضيَ بالخسيس بدلًا عن النَّفيس.
وقال: إنَّ اللَّه تعالى اختطفَ (١) المؤمنَ مِن الكون بالتَّدريج، فقال أوَّلًا: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} فاختطفهم (٢) عن (٣) الدُّنيا بالعُقبى، ثمَّ استلبَهم عن الكونين بقوله: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} طه: ٧٣ (٤).
* * *
(٧٨) - {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}.
وقوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} تكتب {أَيْنَمَا} موصولةً ههنا، ومفصولةً في قوله تعالى: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الأعراف: ٣٧؛ لأنَّ (ما) في الأولى صلةٌ زيدت للشَّرط، فاتَّصلت به؛ كما في "حيثما" و"كيفما" و"مهما"،
(١) كذا في النسخ، ووقع في "لطائف الإشارات": "اختلع" بدل: "اختطف".
(٢) في مطبوع "لطائف الإشارات": "فأحفظهم".
(٣) في (أ): "من".
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٣٤٨).