وقيل: {الْفِتْنَةِ} ههنا: هي قتالُهم المؤمِنين، ونصرتُهم الكافرين.
وقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ}؛ أي: لم يُجانِبوا قتالَكم على التَّأويلِ الأخير، وعلى تأويل الشِّرك: فإن لم يَتركوا مخالطَتكم، بل خالَطوكم في وقتٍ، وخالَطوا قومَهم في وقتٍ؛ عملًا بالنِّفاق، ولذلك قال الكلبيُّ: فإن لم يعتزلوا المسلمين فيَسيروا إلى مكَّة (١).
وقوله تعالى: {وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} عطفٌ على "لم يعتزلوا"؛ أي: ولم يَنقادوا لكم بطلبِ الصُّلح.
وقوله تعالى: {وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ} عطفٌ أيضًا عليه؛ أي: ولم يُمسِكوا عن محاربتِكم.
وقوله تعالى: {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}؛ أي: في أيِّ موضعٍ أخذتُموهم مِن الحلِّ والحرَم والأشهرِ الحُرُم.
وقوله تعالى: {وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}؛ أي: فقد أبحنا لكم دماءَهم وأموالَهم، وجعلنا حجَّتكم عليهم قائمةً؛ لدوامِهم على النِّفاق.
وقوله تعالى: {وَأُولَئِكُمْ} "أولاء" اسمُ إشارةٍ إلى جمعٍ، و"كم" خطابُ جمعٍ، وهي في محلِّ الإضافة (٢)، وعند بعضهم: "أولئكم" كلمةٌ واحدةٌ مبنيَّةٌ مع الكاف، وكلُّها في موضع الرَّفع بالابتداء، ولذلك لا تُزايلُ الكاف، ولا تُوصَل بالهاء بحالٍ، فلا يقال: وأولائه وأولائهم، ولا بالياء والنَّون: أولائي وأولائينا، ويجوز
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" (١٠/ ٥١٢) (طبعة دار التفسير).
(٢) المعروف عند النحاة أن هذه الكاف حرف للخطاب لا محل لها من الإعراب. قال المرادي في "الجنى الداني"، "لا خلاف في حرفية كاف الخطاب المتصلة باسم الإشارة"، انتهى. وعلى ذلك فلا يجوز إضافة اسم الإشارة إليها لأنها معروفة أولًا، ولأن الكاف حرفٌ ثانيًا، واللَّه أعلم.