وقلنا: هذا لا يستقيم؛ لأنَّه تعالى قال: {مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ}، وذاك لا يكونُ منهم، بل يكون فيهم، فالمحمَل الصَّحيح ما قلنا، وهو قول المفسِّرين.
وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}؛ أي: إنْ كان المقتول ذمِّيًّا مِن أهل ذِمَّة أو موادعةٍ؛ فله عِصمةٌ بالإحراز بالدَّار.
قوله تعالى: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} دلَّ أنَّ دية الذِّمِّيِّ كديةِ المسلم؛ وهو قولنا.
وقوله تعالى: {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}؛ أي: وفيه الكفَّارة أيضًا.
وقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}؛ أي: الرقبةَ المؤمنةَ.
وقوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}؛ أي: فعليه ذلك بدلًا عن التَّحريرِ.
وقوله تعالى: {تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ}؛ أي: تخفيفًا منه؛ كما قال: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} المزمل: ٢٠، وأصلُ التَّوبة: الرُّجوع، فالمذنبُ يَتوبُ إلى اللَّه؛ أي: يَرجعُ إليه بالنَّدامة، والتَّوبةُ مِن اللَّه: إعادتُه إلى الحالة الأولى، والتَّخفيفُ عليه كذلك.
وقيل: إنَّ الكفَّارةَ توبةٌ للعبد، وهي مشروعةٌ مِن اللَّه تعالى للعبد (١).
وقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا}؛ أي: عالمًا بالقاتل أنَّه عامدٌ أو مخطئٌ، وعالمٌ بتكفيرِه أنَّه يَنوي به التَّوبةَ أو الإصرار، {حَكِيمًا} في شَرْعِ هذه الأحكام.
قال الكلبيُّ رحمه اللَّه: إنَّ عياش بن أبي ربيعةَ المخزوميَّ أتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكَّة قبل أنْ يهاجرَ، فأسلمَ، ثمَّ خاف أنْ يُظهِرَ إسلامَهُ، فخرجَ هاربًا إلى المدينة، فتحصَّن في دارٍ، فجَزِعَت أمُّه جزعًا شديدًا -وهي أسماءُ بنت مخرمة (٢) - وقالت لابنيها؛ أبي
(١) في (ر): "على العبد".
(٢) اسمها في "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم (ص: ٢٣٠): أسماء بنت مخرِّبة.