وقال سعيدُ بن جبير: كذلك كنتم تخفون إيمانكم من قومكم بمكَّة، فمنَّ اللَّه عليكم بالهجرة حتَّى أظهرتم الإيمان (١).
وقوله تعالى: {فَتَبَيَّنُوا} كرَّر (٢) الأمرَ به تأكيدًا في الوعظ.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}؛ أي: لا يَخفى عليه إضمارُكم وإظهاركُم، وهو يجزيكم على ذلك (٣).
* * *
(٩٥ - ٩٦) - {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
وقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} ولمَّا أُمِروا بالتَّثبُّت في الجهاد؛ خافَ بعضُهم ما يَقعُ في الجهاد مِن ذلك، فكأنَّه عزمَ على ألَّا يخرجَ، فنزلَت هذه الآيةُ حثًّا لهم على الجهاد.
وقال زيدُ بن ثابت كاتبُ الوحي: كنت أكتبُ لرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "اكتب: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، فجاء عبد اللَّه بن أمِّ مكتوم، فقال: يا رسولَ اللَّه؛ إنِّي أحبُّ الجهادَ في سبيل اللَّه، ولكن بي من الزمانةِ ما قد ترى وذهاب بصري، قال زيد: فثَقُلَت فخذُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على فخذي، حتَّى خشيتُ أنْ تَرُضَّها، فقال: "اكتب {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٧/ ٣٦٣، ٣٦٤)، ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ١٠٤١، ١٠٤٢) (٥٨٣٤)، (٥٨٣٨).
(٢) في (ف): "أكد".
(٣) في (أ): "كله". وفي (ر): "مثله".