فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.
وقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ}؛ أي: وإذا كنت يا محمَّدُ في أصحابِك الضَّاربين في الأرض، فأردتَ أن تقيمَ بهم الصَّلاة.
وقوله تعالى: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}؛ أي: فاجعلهُم طائفتين، ولتَقُم إحدى الطَّائفتين معك؛ يَفتتحون معك الصَّلاةَ، ويُصَلُّون معك ركعةً تامَّةً، ولتَقم الطَّائفةُ الأخرى بإزاء العدوِّ.
وقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}؛ أي: قَطْعًا لطَمعِ العدوِّ فيهم، وهذا استحباب لا إيجابٌ عندنا، خلافًا للشافعيِّ رحمه اللَّه (١).
وقوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ}؛ أي: إذا صلَّت هذه الطائفةُ التي معك ركعةً تامَّةً، فليَرجعوا ليَقفوا بإزاءِ العدوِّ.
وقوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}؛ أي: ولتحضر الطَّائفةُ الواقفةُ بإزاءِ العدوِّ، فليَفتتحوا معك الصَّلاة، وليُصلُّوا معك الرَّكعة الثَّانية.
وقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}؛ أي: ما يَتحرَّزون به من العدوِّ، وأمر (٢) به الطَّائفة الثَّانية كما أمرَ به الطَّائفةَ الأولى، وهذا استحبابٌ أيضًا عندنا؛ لأنَّ أخذَ السِّلاحِ ليس مِن أفعال الصَّلاة، فلا يكونُ مِن شرطِها.
وقال الإمام أبو منصورٍ رحمه اللَّه: أَخْذُ الحذرِ: هو أخْذُ ما يدفعون به سلاحَ العدوِّ مِن التِّرسِ والدِّرع والبنيان (٣).
(١) انظر: "الأم" للشافعي (٢/ ٤٥٦)، و"المجموع" للنووي (١/ ٤٢٣).
(٢) في (أ): "وأمر".
(٣) "والبنيان" ليس من (ف). وانظر: "تأويلات أهل السنة" (٣/ ٣٤٥).