وقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}؛ أي: ليس مِن صفةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ مغفرةُ الكفرِ؛ فقد قال اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} النساء: ٤٨.
وقوله تعالى: {وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا}؛ أي: سبيلَ الرُّشدِ ما كانوا مختارينَ للكفر.
وقيل: أي: لا يغفرُ لهم إذا ماتوا على الكفرِ، ولا يَهديهم (١) طريقَ الجنَّة، قال تعالى: {وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ} النساء: ١٦٨ - ١٦٩.
ودلَّت الآيةُ على أنَّ اللَّهَ تعالى قد يَحْرِمُ بعضَ عبادِه الهدايةَ، وهو ردٌّ على المعتزلة في قولِهم: إنَّ اللَّهَ قد هدى الكلَّ.
وقوله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}؛ أي: ضعْ إخبارَهُم بالعذابِ الأليمِ موضعَ البشارةِ لهم، وهو كقول الشاعر:
وخيلٍ قد دَلَفْتُ لها بخيلٍ... تحيَّة بينِهم ضربٌ وَجيعُ (٢)
أي: الضربُ بينهم مكان التَّحيَّة.
وقيل: لمَّا نزلَت آيةُ المغفرة للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- والمؤمنين، قال عبدُ اللَّه بنُ أبيّ: فما لنا؟! فأنزلَ اللَّهُ تعالى هذه الآية يقول: بَشِّر عبدَ اللَّه بنَ أبيٍّ ومالكَ بن الدُّخْشُم (٣) وجدَّ بن قيس بأن لهم عذابًا وجيعًا (٤).
(١) في (ف): "ليهديهم".
(٢) البيت نسبه سيبويه في "الكتاب": (٣/ ٥٠) لعمرو بن معدي كرب، وهو في "شعر عمرو بن معدي كرب" المجموع (ص ١٤٩)، وقد أورده الأستاذ مطاع الطرابيشي -جامع الديوان- في المختلط من شعر عمرو المنسوب له ولغيره. وقال البغدادي في "خزانة الأدب" (٩/ ٢٦٥): وهذا البيتُ نسبه شراح أبيات "الكتاب" وغيرهم إلى عمرو بن معدي كرب الصحابي، ولم أره في شعره. انتهى.
(٣) في ذكر مالك بن الدخشم هنا نظر، فمالك صحابي أنصاري أوسي، شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد، قال ابن عبد البر: لا يصح عنه النَّفاق، وقد ظهر من حسن إسلامه مَا يمنع من اتهامه. واللَّه أعلم. انظر: "الاستيعاب" (٣/ ١٣٥٠)، و"الإصابة" لابن حجر (٩/ ٤٥ - ٤٦).
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٤١٥).