وقالوا: هذا فيمن نزلَ في موضعٍ لا (١) يجد مأوًى غيرَهُ، ولا طعامًا يشتريه، أو لا ثمنَ عنده، فإذا نزلَ على قومٍ فلم يُضيِّفوهُ فقد ظلموهُ، فله أن يَشْكُوَ منهم.
وقرأ الضَّحَّاكُ وزيدُ بنُ أسلم وابنُ أبي إسحاق وسعيدُ بنُ جُبير ويَعلى بنُ حكيم: (إلا من ظَلَم) بفتح الظَّاء واللام على الفعل الظاهر (٢)، وعلى هذا معنى: {إِلَّا}: لكن؛ أي: لكن (٣) مَن جهر بالسُّوء فقد ظلم، وفيه أنَّ {الْجَهْرَ بِالسُّوءِ} (٤) لا يكونُ مباحًا، وعلى الإطلاق يكونُ حرامًا، ومن فعلَهُ فهو ظالمٌ.
وقال الضَّحَّاكُ: هو مردودٌ على قوله: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ}، {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} فإنَّه يُعَذِّبهُ ثم قال: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ}؛ أي: على كلِّ حال (٥).
وأمَّا قراءةُ العامة: {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} على (٦) ما لم يُسَمَّ فاعلُه، فالاستثناءُ على الحقيقة، وفيه إباحةُ التَّظلُّمِ والدُّعاء على الظَّالم، وسُمِّيَ جهرًا بالسُّوء مع أنَّه مباحٌ؛ لأنَّه جزاءُ السُّوء، فسُمِّيَ به، وهو كما قال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} الشورى: ٤٠.
وقال الحسن: لا يَدعو على ظالِمِه بالهلاك والعقوبة، لكن يقول: اللهمَّ استخرِجْ حقِّي منه، اللهمَّ حُل بينَه وبينَ ما يريدُ بي مِن السُّوء (٧).
(١) في (ف): "لم".
(٢) انظر القراءة في "مختصر في شواذ القرآن" (ص: ٣٦) و"المحتسب" لابن جني (١/ ٢٠٣)، و"المحرر الوجيز" لابن عطية (٢/ ١٢٩).
(٣) بعدها في (ف): "كل".
(٤) "فقد ظلم، وفيه أن: {الْجَهْرَ بِالسُّوءِ} " ليس من (ف).
(٥) رواه ابن المنذر كما في "الدر المنثور" (٥/ ٩٢).
(٦) بعدها في (ف): "فعل".
(٧) رواه الطبري في "تفسيره" (٧/ ٦٢٦).