قدوةً، {أَوْ تُخْفُوهُ} اكتفاءً بعلمِ اللَّه جلَّ جلالُه، {أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ} مِن غيركم قهرًا لأنفُسِكم؛ {فَإِنَّ اللَّهَ} (١) يعفو عنكم، وهو قادرٌ على أن يبتليكم بما ابتلى به ظالِمَكُم من وبال ظلمكم.
وقال: مَن أحسنَ إليك، فأبدِ إحسانَك إليه جهرًا، ومن كفاك شرَّه، فأخلص له الولاءَ والدُّعاءَ سِرًّا، ومَن أساءَ إليك، فاعفُ عنه كرمًا وفضلًا، فاللَّهُ عافٍ عنك ذنوبَك العِظام، قادرٌ على أن يعطيكَ مِن الفضل والإنعام ما لا تصلُ إليه بالانتصافِ والانتقام (٢).
* * *
(١٥٠) - {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} ذكرَ أولًا المجاهرين بالكُفر، ثمَّ المنافقين، ثمَّ ذكر اليهودَ والنَّصارى، كذا قال الكلبيُّ ومقاتل: إنَّها فيهم (٣)، ووصفَهم بالكفرِ باللَّه تعالى؛ لأنَّ كفرَهُم ببعضِ أنبيائه وكتبِه كفرٌ به؛ لأنَّه ردٌّ لقولِه.
وقوله تعالى: {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} لمَّا أضافهم اللَّه تعالى إلى نفسِه بأنَّهم رسلُه، وهم أنكروا رسالةَ بعضِهم، فقد فرَّقوا بقطعِ هذه الإضافة بينَهم وبينَ اللَّه.
وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} هم لا يقولون بهذه
(١) في (أ): "فإنه"، وفي (ف): "فاللَّه" بدل: " {فَإِنَّ اللَّهَ} ".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٣٨٢ - ٣٨٣).
(٣) في "تفسير مقاتل" (١/ ٤١٨) أنها في اليهود؛ لأنَّهم كفروا بعيسى وبمحمد صلى اللَّه عليهما.