ثمَّ لم يكفِهم هذا حتَّى جاؤوا بظلمٍ آخر، وهو قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} أي: إلهًا.
وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} قيل: هي الصاعقةُ، سمَّاها اللَّهُ مع توحُّدها (١): بيِّنات؛ لما فيها من دلائل الوحدانيةِ للَّه تعالى، وصدقِ موسى، وتنبيهِهم على جهلهم، وغير ذلك.
وقيل: كان فيها إماتتُهم وإحياؤهم وأشياءُ أخر، فكانت بيِّنات.
وقال الكلبيُّ وعطاء: هي الآياتُ التسع.
وقوله تعالى: {فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ}؛ أي: بالتَّوبةِ، ولم نستأصل الكلَّ.
وقوله تعالى: {وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا} قال مجاهدٌ وعطاء: حجَّةً بيِّنةً قويَ بها على أعدائِه.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: يعني أنَّ الآياتِ التي أتاهُم بها؛ من اليدِ البيضاء، وتقليب العصا حيةً، وفلقِ البحر، كانت آياتٍ ظاهرةً يَعقِلُها كلُّ أحدٍ إن لم يعاند، وأنَّه بيَّن (٢) أنَّ سؤالَهم الرؤيةَ كان سؤالَ تعنُّتٍ، لا سؤالَ استرشادٍ؛ فإنَّه كان أتى بآياتٍ على رسالتِه، فلم يقبلوها.
وفيه دليلٌ على أن المسؤولَ لا يَلزمُهُ الدَّليل على شهوةِ السَّائل، لكن يَلزمُه أن يأتيَ بما هو دليلٌ في نفسه، ولذلك عاقبَهمُ اللَّهُ تعالى بالصَّاعقة (٣).
* * *
(١) بعدها في (ف): "وجمع".
(٢) في (ر): "تبين".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" لأبي منصور الماتريدي (٣/ ٤٠٧).