وقيل: أي: اقضِ بيننا وبينَهم، قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: ٤؛ أي: يُقضى.
وقيل: أي: باعِدْ بيننا وبينَهم، قال الرَّاجزُ:
يارَبِّ فافرُق بينَه وبيني... أشَدَّ ما فرَّقتَ بين اثْنينِ (١)
وقيل: أي: ميِّز بيننا وبيثَهم في الآخرة، فيكونُ هؤلاء في النَّار، وهؤلاء في الجنَّة، ولم يقل: بيننا وبينهم؛ لأنَّ فيهم مَن أطاعَهُ، كيوشع وكالب، فلذلك قال: {وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} على التَّخصيص.
* * *
(٢٦) - {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
وقوله تعالى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ}؛ أي: فإنَّ الأرضَ المقدَّسةَ ممنوعةٌ عليهم أنْ يَدخلوها ويَسكنوها، والتَّحريمُ: المنع، قال تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} القصص: ١٢، وهو تَفعيلٌ مِن الحرمان، وكان ذلك عقوبةً لهم بعصيانِهم.
وقيل: أي: التَّوبةُ محرَّمةٌ عليهم، فلا يَتوبون.
وقوله تعالى: {أَرْبَعِينَ سَنَةً} ظرفٌ لقوله: {مُحَرَّمَةٌ}، وقيل: لقوله: {يَتِيهُونَ}.
وقوله تعالى: {يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: يَبقون مُتحيِّرين في الأرضِ التي هُم فيها، وهي البرّ.
(١) ذكره أبو عبيدة في "مجاز القرآن" (١/ ١٦٠)، والطبري في "تفسيره" (٨/ ٣٠٥)، وانظر ما علقه عليه الشيخ محمود شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري" (١٠/ ١٨٨).