لموسى ذلك، وهؤلاء الذينَ في عصرِك مِن أولادِهم يَحسدُونك، وقد همُّوا أنْ يَبسطوا أيديَهم إليك بالقتل، فأخبِرهم بقِصَّةِ ابنَي آدمَ، الذي بَسطَ يدَهُ إلى صاحبِه بالقتلِ حسدًا له، وإلى ماذا صار أمرُه مِن خُسران الدُّنيا والآخرة، فكذلك حالُ هؤلاء.
وقيل: يَرجِعُ هذا إلى قوله: {يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} المائدة: ١٥، وكان من ذلك هذه القصَّة.
وقوله تعالى: {نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ}؛ أي: خبرَهما.
وقوله تعالى: {بِالْحَقِّ}؛ أي: ليَعتبروا ويتذكَّروا، لا ليَحمِلوه على اللَّعبِ والباطل ككثيرٍ مِن الأقاصيص التي هي من لهوِ الحديث.
قال الحسن: وبعض الناس يقولون (١): إنَّ هذين الرجلين من بني إسرائيل (٢)، وضربَ اللَّهُ المثلَ بهما؛ لبيانِ أنَّ التَّحاسُدَ في بني إسرائيل قديمٌ، وبلغ ذلك حتَّى قَتلَ مَن رُدَّ قربانُه مَن قُبِلَ قربانُه؛ حسدًا له على ما آتاهُ اللَّه من فضلِه، وهؤلاء أولادُ أولئك، فلا تُنكِر يا محمَّدُ حسدَهم إيَّاكَ.
وسمَّاهما ابنَي آدم؛ لأنَّهما مِن نوافله، كما سمَّانا بني آدم، وهذا وإن كان أقربَ إلى النَّظم، فهو خلافُ المأثورِ المشهورِ أنَّهما وَلَدا آدمَ لصلبه؛ هابيل وقابيل، على ما رُويَ عن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما أنَّه قال: كانت حوَّاءُ تَلِدُ في كلِّ بطنٍ اثنين؛ غلامًا وجاريةً، وقد ولدَت خمسَ مئة بطنٍ، فولَدَت أوَّل بطنٍ قابيلَ وأختَه إقليما، ثمَّ مكثَت سنتَين، ثمَّ ولدَت البطنَ الثَّاني هابيلَ وأخته لبوذا (٣).
(١) في (ر) و (ف): "بعده يقول" بدل: "يقولون".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٣٢٤). وذكره ابن كثير في "تفسيره"، وقال: وهذا غريب جدًّا، وفي إسناده نظر.
(٣) اسم أخته في "تفسير مقاتل" (١/ ٤٦٩)، و"تفسير أبي الليث" (١/ ٤٢٩): "ليوذا"، و"تفسير=