وقوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} أي: إنْ حكمَ بخلافِ هذا، فلا تَقبلوهُ، وتَحرَّزوا عن حكمِه.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} قطعَ رجاءَ محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إيمانِ هؤلاء، فقال: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ} إضلالَهُ في الدُّنيا، وتعذيبَهُ في الآخرةِ، فلن تمنعَ أنت يا محمَّدُ (١) عنهم ذلك. والفتنةُ: قد تكون بمعنى الإضلال، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} النور: ٦٣، وقد تكون بمعنى العذاب، قال تعالى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} الذاريات: ١٤.
وقال الزَّجَّاج: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ}؛ أي: فضيحتَهُ (٢) وإخزاءَهُ بإظهار حاله.
ودلَّت الآيةُ على إرادة اللَّه تعالى أفعالَ العبادِ وخلقها، وهو في من علم أنَّه يَختارُ الكفرَ.
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}؛ أي: عن الكفرِ؛ لعلمِه منهم اختيارَ الكفر.
وقوله تعالى: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وخزيُ الدُّنيا هو ما قال: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} البقرة: ٦١، وقال: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} الأحزاب: ٦١.
وقيل: هو أخذُ الجزيةِ منهم.
وقيل: هو السَّبيُ والجلاء.
(١) قوله: "يا محمد" من (ر).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٢/ ١٧٦).